مثلك" فقال ﵀: "ما كان لله بقي" (١)، وفعلاً أبقى الله موطأ مالك، وربما نُسي موطأ غيره، وذلك لصلاح نيته.
فالركن الركين، والأساس المتين، أن يحرص الإنسان على إصلاح قلبه، وتنقيته من الشوائب، ويحذر من أحابيل الشيطان، فإن الشيطان يتدسس بصور شتى، حتى قال سفيان الثوري،﵀: "ما عالجتُ شيئاً أشد عليّ من نيتي؛ لأنها تنقلب عليّ" (٢)، فعلى الإنسان أن يتعاهد قلبه، وأن يحصن ضميره، وهذا يحصل بدوام الذكر، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
مناسبة الآيتين للباب:
مطابقة، لما تضمنتاه من وعيد من أراد بعمله الدنيا من الحبوط، والبطلان، والنار.
فوائد الآيتين:
١ - أن الله حكم عدل مقسط، يجازي من عمل عملاً حسناً، وإن لم يرد به الله والدار الآخرة، في الدنيا، كيف شاء، فهذا من كمال عدله سبحانه.
مثال ذلك: ما يقوم به بعض الكفار في البلاد الغربية، من الأعمال الإنسانية الإغاثية؛ فيقيمون الملاجئ، وينفقون على الفقراء، والأيتام، والمشردين، حتى أنه لا يكاد يُوجد في بلادهم جائع، أو عارٍ، أو مريض لا يجد دواء، ويعتنون بهذه الأمور الاجتماعية غاية العناية، بل ويمدون ذلك إلى البلدان المنكوبة بالكوارث والحروب، فتنطلق من بلادهم جمعيات المساعدات الإنسانية، والإغاثية، وربما كان بعضها لأهداف سياسية، أو تنصيرية، لكن جزءاً كبيراً منها -كما يقولون-: لدوافع أخلاقية إنسانية. فلأجل ذا يكافئون في الحياة الدنيا -كما هو مشاهد- بالتيسير المادي، والتفوق المدني والصناعي، وحصول الرفاهية والتمكين التي لا تحصل لغيرهم. فهذا من كمال عدل الله ﷿ أن يجدوا نتيجة أعمالهم الحسنة في الدنيا، لكنها لا تنفعهم في الآخرة.
(١) الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المصنفة للكتاني (ص: ٧). (٢) جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (١/ ٧٠).