جُدعان، كان في الجاهلية، يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال:"لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين"(١).
مسألة: حكم الوظائف الشرعية، والولايات الدينية:
هل عمل الإنسان في الأذان، أو الإمامة، أو الخطابة، أو القضاء، أو التدريس، التي يتقاضى عليها جعلًا، أو مرتبًا، مناف للإخلاص، ومعرض صاحبه للوعيد الشديد المذكور في الآية؟
الجواب: أن ذلك بحسب ما قام في قلبه، فإذا كانت نيته الأصلية هي الإخلاص لله تعالى، ونفع عباده المؤمنين، فهذه نية صالحة، ولا يضره ما حصل له من نفع دنيوي، وأما إذا كانت نيته الأولى إرادة الدنيا فهو داخل في حكم هذه الآية.
والله ﷾ قد أمر عباده المؤمنين بعبادة عظيمة، وشعيرة شريفة، وهي الجهاد في سبيل الله، ثم قال لهم: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: ٢٠]، فهذه المغانم من الدنيا، ومن المتاع، فلم يكن إغراؤهم بهذا منافياً لأصل النية، فأصل نيتهم صحيح، وهو إعلاء كلمة الله ﷿، وانضاف إليها مقاصد أخرى، يرتفقون بها، ويستعينون بها على دنياهم. ومن أدلة ذلك: قول النبي ﷺ: "من قتل قتيلاً له عليه بينة، فله سلبه"(٢)، فهذا إغراء من النبي ﷺ، وحث للمقاتلين في سبيل الله: أن يثخنوا في العدو، حتى يحصلوا على السلب، وهو ما يكون على المقاتل من الثياب والسلاح، وغير ذلك، فدل ذلك على أن هذا لا ينافي النية الأصلية. وعلى هذا نقيس سائر الأمور، فمَن تقدم للإمامة يريد بذلك سد حاجة المسلمين، فيصلي لهم، وحمل نفسه على الالتزام بالصلاة، وضبط حفظه
(١) أخرجه مسلم كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل برقم (٢١٤). (٢) أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب … برقم (٣١٤٢) ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل برقم (١٧٥١).