للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرق بين هذا الباب والباب الذي قبله، وهو ما يتعلق بالرياء: أن الرياء يختص بالثناء، لأن المرائي يعمل لأجل المدح. وأما هنا فيعمل ليصيب دنيا، أي: ليحصِّل من وراء ذلك متاعاً، أو مالاً، ونحو ذلك، فكأن الباب السابق يتعلق بالأمور الاعتبارية، وهذا الباب يتعلق بالأمور الدنيوية المادية.

قوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أي: من كان يريد بعمله ثواب الدنيا، كما قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى: ٢٠]، وكما أخبر النبي في حديث: "إنما الأعمال بالنيات" قال: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (١)

قوله: ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ أي: نوفر لهم ما طلبوه وقصدوه من متاعها، كاملًا. قوله: ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ أي: لا ينقصون. إلا إن هذه الآية قد قُيدت بآية أخرى، وهي قول الله تعالى: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُّرِيدُ﴾ [الإسراء: ١٨] فدلت على أنه يُكتب لهم ما قدره الله لهم؛ لقوله: ﴿مَا نَشَاءُ﴾ فقيد ذلك بالمشيئة.

قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ﴾ لأنهم استوفوا مرادهم في الدنيا، ولم يعملوا للآخرة، ولم يبق لهم سوى جزاء الشرك، وهو النار.

قوله: ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾ أي: أنه بطل عملهم في الدنيا، واضمحل في الآخرة؛ لقول الله ﷿: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣].

قوله: ﴿وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ لأنه لم يرد به وجه الله ﷿. وقد ذكرت عائشة للنبي رجلاً شريفاً من أهل مكة، قلت: يا رسول الله، ابن


(١) أخرجه البخاري في باب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ؟ برقم (١) ومسلم في كتاب الإمارة بقوله، قوله : "إنما الأعمال بالنية" برقم (١٩٠٧) لكن بلفظ: "القطيفة" بدل الخميلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>