للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال : "وقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٠] ".

قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ (من) تبعيضية، أي: بعض الناس.

قوله: ﴿مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ أي: يدعي بلسانه الإيمان بالله، في حال الرخاء والإقبال واليسر.

قوله: ﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ أي: افتتن وابتلي في دينه.

قوله: ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ﴾ أي: عذاب الناس، وأذيتهم له في نفسه، وماله، ومنصبه، وأهله. قوله: ﴿كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ أي: كعذاب الله في الآخرة، والمعنى: أنه جزع من أذى الناس، ولم يصبر عليه، فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه، ووقع في شرك الخوف.

قوله: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ أي: إن جاءت الأمور موافقة لما يشتهي، وحصل مغنم، نافس عليه، وادعى النصرة، وقال: أشركونا معكم في المغنم.

قوله: ﴿أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ استفهام تقريري، وجوابه: بلى، فالله تعالى أعلم بما في صدور العالمين؛ من الإيمان والنفاق، والصدق والكذب.

وقد كان هذا كان جارياً أول الإسلام بعد الهجرة؛ فكان بعض الناس يهاجرون إلى النبي ، فإن رأوا ما يعجبهم بقوا على الدين، وإن رأوا شدة وكرباً، ارتدوا على أدبارهم، كما قال الله : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ [الحج: ١١] قال ابن عباس : " كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً، ونُتجت خيله، قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تُنتج خيله، قال: هذا دين سوء" (١)، فمثل هذا يعبد الله على حرف، بخلاف المؤمنين الراسخين، الذين لا تزيدهم الشدة والبلاء إلا رسوخاً وثباتاً.


(١) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ [الحج: ١١] برقم (٤٧٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>