قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ (من) تبعيضية، أي: بعض الناس.
قوله: ﴿مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ أي: يدعي بلسانه الإيمان بالله، في حال الرخاء والإقبال واليسر.
قوله: ﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ أي: افتتن وابتلي في دينه.
قوله: ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ﴾ أي: عذاب الناس، وأذيتهم له في نفسه، وماله، ومنصبه، وأهله. قوله: ﴿كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ أي: كعذاب الله في الآخرة، والمعنى: أنه جزع من أذى الناس، ولم يصبر عليه، فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه، ووقع في شرك الخوف.
قوله: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ أي: إن جاءت الأمور موافقة لما يشتهي، وحصل مغنم، نافس عليه، وادعى النصرة، وقال: أشركونا معكم في المغنم.
قوله: ﴿أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ استفهام تقريري، وجوابه: بلى، فالله تعالى أعلم بما في صدور العالمين؛ من الإيمان والنفاق، والصدق والكذب.
وقد كان هذا كان جارياً أول الإسلام بعد الهجرة؛ فكان بعض الناس يهاجرون إلى النبي ﷺ، فإن رأوا ما يعجبهم بقوا على الدين، وإن رأوا شدة وكرباً، ارتدوا على أدبارهم، كما قال الله ﷾: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ [الحج: ١١] قال ابن عباس ﵄: " كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً، ونُتجت خيله، قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تُنتج خيله، قال: هذا دين سوء"(١)، فمثل هذا يعبد الله على حرف، بخلاف المؤمنين الراسخين، الذين لا تزيدهم الشدة والبلاء إلا رسوخاً وثباتاً.
(١) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ [الحج: ١١] برقم (٤٧٤٢).