للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنواع الخوف:

الأول: خوف العبادة: وهو خوف السر، الذي لا يجوز صرفه لغير الله ﷿، وهو أن يخاف غير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يخاف جناً، أو إنساً، في أمور غير مقدورة له، ولم تجر العادة بتصرفه فيها، كأن يعتقد أن هذا المخوف يمرضه، أو يدني أجله، أو يقطع رزقه، أو ما شابه هذا، من الأمور المتعلقة بالربوبية، فمثل هذا الخوف خوف عبادة، لا يجوز صرفه لغير الله، فمن صرفه لغير الله فقد أشرك الشرك المخرج عن الملة.

الثاني: الخوف الطبيعي: وهو الذي جبل الله عليه بني آدم، وجعله سبباً لبقاء نوعهم؛ إذ لولا الخوف لهلك الإنسان؛ لأن الخوف مدعاة إلى الاحتراز من الشرور المحدقة؛ فلولا الخوف من النار لاحترق الإنسان، ولولا الخوف من العطش لدخل الناس البراري والمفاوز، ولم يحملوا ماءاً، وهلكوا، ولولا الخوف من العدو لما استعدوا له بالسلاح والحراسة لدفع الصائل.

فهذا الخوف الطبيعي قد جبل الله تعالى عليه بني آدم، وركبه في خلقتهم، حتى أن الله تعالى جعل البدن، إذا شعر بالخوف، يفرز مادة (الأدرنالين) لتزيد في ضربات القلب؛ ليزداد ضخ الدم إلى الأعضاء والعضلات، فيهرب، أو يدافع، أو غير ذلك، وهذا من حكمة الله.

وقد وقع هذا الخوف لأنبياء الله، فإن موسى لما أمره الله بإلقاء العصا، فانقلبت ثعباناً ﴿وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ وقال له ربه: ﴿لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ١٠] فلا يلام الإنسان أن يخاف على نفسه من السبع أن يفترسه، أو العدو أن يقتله، أو النار أن تحرقه، أو الماء أن يغرقه، فكل هذا مما جرت به العادة. إلا أنه قد يتحول إلى خوف مذموم إذا خرج عن حده، فيوقعه في الجبن، أو الرهاب، أما أصله فإنه خُلُقٌ طبيعي، ولا ينافي الإيمان. لكن المحذور أن يخاف غير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهو الخوف الشركي.

فوائد الآية:

١ - أنّ الخوف عبادة؛ لقوله: ﴿وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ فجعله شرطًا في الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>