للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فابتدأها -كما سبق- بما يتعلق بالحب، وهذا الباب يتعلق بالخوف، ويليه باب يتعلق بالتوكل، وهكذا؛ وذلك لأن العبادات القلبية أصل التوحيد.

مناسبة الباب لكتاب التوحيد:

الخوف عبادة من العبادات، لا يجوز صرفها لغير الله ﷿، فمن خاف غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج من الملة.

قوله: ﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر ﴿ذَلِكُمُ﴾ المشار إليه الشيطان.

قوله: ﴿الشَّيْطَانُ﴾ عَلَمٌ على جنسه، وهو إبليس الذي لعنه الله، مأخوذ من الشطْن: وهو البُعد؛ لأنه بعُد عن طاعة الله، فأبعده الله عن رحمته.

قوله: ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ أي: يخوفكم بأوليائه، وهذه طريقة شيطانية معروفة، معهودة، وهي أنّ الشيطان يلقي في قلوب المؤمنين الخوف من أوليائه من المشركين، فيصور لهم عدوهم بأنه ذو عدد، وعدة، وبأس شديد، ليرعبهم بهم. ولكن الإيمان الحق يكتسح ذلك؛ فلهذا قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧٣ - ١٧٥] وإنما يُؤثر ذلك في ضعاف الإيمان فيخافون، وينخذلون.

وقد ذكر الله ﷿ في سورة الأحزاب تنوع الناس أمام هذه المخاوف، فحينما أحيطت المدينة بعشرة آلاف مقاتل، من المشركين واليهود، قال المنافقون، والذين في قلوبهم مرض: ﴿إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ [الأحزاب: ١٣]. وأما المؤمنون الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فقالوا: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٢]، فهذا هو الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.

قوله: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ نهي، ثم أمر، ثم شرط. فدلّ على أن الخوف عبادة، وأنه شرط في الإيمان الواجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>