الثالثة:"الاستسقاء بالنجوم" وهو: نسبة السقيا والمطر إلى حركة النجوم والأنواء، وهذا موضع الشاهد من الحديث للباب، ولم يزل في الناس من ينسب نزول المطر إلى النجم الفلاني، وينسى أن هذه مجرد موافقة تزامنية، لا أقل ولا أكثر. ولو تأمل الإنسان في كلام الناس، وكلام الفلكيين، لوجده شاهداً لقول النبي ﷺ، وإعلامه بهذا الأمر الساري في الأمة.
الرابعة:"النياحة على الميت" وهي: رفع الصوت بالبكاء، والندب على الميت، وهذا يقع، غالبًا، من النساء؛ لجزعهن، وغلبة عاطفتهن. ولا شك أنّ الموت مصيبة، لكن هذه المصيبة يجب أن تواجه بالصبر والاحتساب، لا بالصراخ والعويل، وشق الجيوب، ولطم الخدود، فإن ذلك لا يرد ميتاً، ولا يغني عن صاحبه.
قوله:"النائحة إذا لم تتب قبل موتها" عبر بالنائحة، مع أنه يدخل في ذلك النائح، لوقوعه في النساء أكثر من الرجال، وقوله:"إذا لم تتب قبل موتها" يدل على عظم أمر التوبة، وأن التوبة تجب كل معصية.
قوله:"تقام يوم القيامة" أي: تبعث يوم القيامة.
قوله:"وعليها سربال من قطران" أي: ثوب ملطخ بالقطران، وقيل: هو النحاس المذاب.
قوله:"ودرع من جرب" الدرع للمرأة بمعنى القميص. والجرب: مرض جلدي معروف، يصيب الإنسان والحيوان، ينشأ عنه حكة عظيمة، وأما القطران ففيه حرارة متناهية عظيمة، والإنسان إذا وقع على بشرته شيء حار، أو أصابته حكة بليغة، فإنه يتألم تألماً عظيماً، فلما كانت النائحة تصيح بأعلى صوتها في الدنيا، وقد تفعل ذلك أيضاً تكلفاً، كالنائحة المستأجرة، كانت عقوبتها يوم القيامة من جنس عملها، فتقوم وهي تصيح وتولول، بسبب هذا السربال من القطران، والدرع من الجرب، كما قال الله: ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾ [النبأ: ٢٦].
مناسبة الحديث للباب:
مطابقة، لما تضمنه من حسبان النبي ﷺ:"الاستسقاء بالنجوم" من خصال الجاهلية؛ لما فيه من نسبة التدبير، والنعمة إلى غير الله ﷿.