وفرج عنه: ﴿نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [الزمر: ٨] ولا يتفطن للنعمة إلا أصحاب القلوب الواعية، كما أثنى الله تعالى على نوح: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء: ٣] وكما كان نبينا ﷺ يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت له عائشة ﵂:"أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ " قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً"(١). فعلى المؤمن أن يتفطن لشكر المنعم، وهو في مسيره، وتقلبه بين أهله، فيشكر الله بلسانه، وقلبه، وفعاله، كما قيل:
فشكر القلب: بأن يغتبط بنعمة الله، ويشعر بالامتنان له ﷾، وكثير من الناس لو فتشت بين أضلاعه، ونبشت عن قلبه لوجدته مسكوناً بالنقمة، والتبرم، والضيق، لا يشعر بشكر نعمة الله، فالذي ينبغي أن يحل المرء في سويداء القلب الشعور بنعمة الله ﷿، وأعظمها الشعور بنعمة الإسلام.
وشكر اللسان: باللهج بشكر الله ﷿ ونسبة النعم إليه، وهذا أمر تلمسه عند بعض الموفقين، فكلما جلس مجلساً يثني على الله بما هو أهله، ويشكره على نعمائه، ومن الناس من يعقل لسانه عن ذلك، ولا يتحدث بنعم الله عليه، وربما ترك ذلك خوفاً من العين، فإذا سئل عن حاله، أجاب بما يشعر بالبؤس، مع أن الله قد أغدق عليه النعم، ولا شك أن هذا نوع من الكفران، المنافي للإيمان، وكان ينبغي أن يقول: نحن في خير، ونعمة، وسعة، وفضل من الله، ويذكر ما ينبغي؛ لأن الله يحب أن يشكر. نعم لا حاجة أن يتباهى الإنسان ويتفاخر على الناس بما خوله من نعم، لكن إذا كان المقام مناسباً، أو سُئل، فعليه أن يثني بالنعمة على مسديها، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١].
وشكر الجوارح: أن يسخر جوارحه في شكر نعمة الله؛ فإذا أنعم الله عليك بالصحة، فانقل خطاك إلى المساجد، وصلِّ مع الجماعة، واسعَ على الأرملة
(١) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾، [الفتح: ٢] برقم (٤٨٣٧)، ومسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، برقم (٢٨٢٠). (٢) البيت بلا نسبة في نهاية الأرب في فنون الأدب، ت: قمحية (٣/ ٢٣٣)، والمستطرف في كل فن مستطرف (ص: ٢٤٤)، ونفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب (٦/ ٢٧٤).