للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رؤيته، لكنه آثر ألا يصرح بالتعبير المستكره، وهو (التطير)، فاكتفى بالقطع، اعتمادًا على دلالة السياق فقال: "وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل" أي: يهجم الخاطر الشيطاني على القلب، فما هو إلا أن يتذكر الإنسان إيمانه بالله، وتوكله عليه، فيطرده من قلبه، ويذهبه بالتوكل، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠١]

وينبغي للمؤمن دوماً أن يستدعي إيمانه للتخلص من الخطرات، والشبهات، والشهوات الشيطانية، كما جرى ليوسف، ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: ٢٤] فبرهان ربه الذي رآه هو ما قام في قلبه من تعظيم الله وخشيته، فحال بينه وبين الوقوع في الفحشاء؛ ولهذا قال: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤] لا كما قال بعض المفسرين: إنه رأى صورة يعقوب في الجدار، عاضاً على أصبعه! فهذا خيال لا دليل عليه، وروايات إسرائيلية لا خطام لها ولا زمام.

فإذا هجم على المرء خاطر شيطاني من الشبهات، أو الشهوات، أو الظنون، أو الأوهام، فليستدع مخزونه الإيماني، ليخرج هذا الخاطر، ويعود قلبه مثل السراج يزهر، لا يعلق به شيء من هذه الأوضار، فهذه ثمرة الإيمان وفائدته.

مناسبة الحديث للباب:

مطابقة للترجمة، لما في الحديث من التنصيص على أن الطيرة شرك.

فوائد الحديث:

١ - أنّ الطيرة شرك؛ لكنها شرك أصغر، إلا أن يعتقد أن الذي تطير به مُؤثر بطبعه، فيكون شركًا أكبر في الربوبية، أما مجرد ما يقع في النفس من انقباض، أو نحوه، فلا يبلغ الشرك الأكبر.

٢ - التعليم بالتكرار: "الطيرة شرك، الطيرة شرك". وقد كان النبي يفعل ذلك أحياناً، فيكرر الكلام ثلاثاً، كما في قوله: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " (١)،


(١) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور برقم (٢٦٥٤) ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها برقم (٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>