للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجمع بين قول النبي : "لا عدوى" وبين قوله : "وفر من المجذوم فرارك من الأسد" (١)؛ أن قوله: "لا عدوى" أراد به نفي اعتقاد أهل الجاهلية أن العدوى مؤثرة بذاتها دون الله ﷿، وقوله: "وفر من المجذوم فرارك من الأسد" دليل على إثبات الأسباب، ووجوب التوقي من العدوى.

قوله: "ولا طيرة" تقدم بيانها، ويلتحق بذلك التشاؤم بالأشخاص، والبقاع، وكل شيء من الأشياء التي ليس لها صلة بالأمر المعين. وهذا محل الشاهد من الحديث.

قوله: "ولا هامة" الهامة: بتخفيف الميم قيل: إنها البوم خاصة؛ إذ كانوا يتشاءمون من البوم، ويرون أنه نذير شؤم، فمن وقعت البوم عنده، أو على طرف جداره، قالوا: دنا أجله! ولا علاقة لهذا الطائر بالآجال، إنما هو طائر طار، فوقع على أصل جدار، فكيف يكون هذا شهادة وفاة في حق فلان أو علان؟! هذا من السفه.

وكان من خرافات أهل الجاهلية: أن القتيل يتخلق من عظامه طير يطير في السماء، فيصيح، حتى يُؤخذ بثأره! ولا يمكن أن ينشأ من عظام الميت طير يطير.

قوله: "ولا صفر" اختلف في المراد به: فقيل: داء يصيب البطن، وقيل: هو الشهر المعروف؛ إذ كان أهل الجاهلية يتشاءمون به، وقيل: أراد به النبي النسيئة، التي نهى الله تعالى عنها في كتابه، في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٣٦ - ٣٧] فكان أهل الجاهلية يستطيلون توالي الأشهر الحرم المتوالية، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، فلا يغزو بعضهم بعضًا، ولا ينهب بعضهم بعضاً، فتضيق بهم الحال، فكان يقوم منهم قائم في موسم الحج، ويقول: أنسأنا المحرم إلى كذا وكذا، فينقلونه إلى صفر؛ لكي يكون لهم فسحة بين الأشهر الحرم المتوالية. ولا شك أن النسيء محرم، وكفر، كما وصف الله، لكن هذا القول لا يناسب السياق؛ إذ أنّ النبي ذكر أموراً منافية


(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (١٣٧٧٢) وأحمد ط الرسالة برقم (٩٧٢٢) وقال محققو المسند: "حديث صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>