وأما قول بعض الفقهاء: لا بأس بحل السحر بسحر مثله! فلا يسلم، ففي الحديث:(إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِي حَرَامٍ)(١)، وعن ابن مسعود موقوفًا:(إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)(٢) قال ابن قدامة،﵀:(فأما الذي يحل بالسحر؛ فان كان بشيء من القرآن، أو شيء من الذكر، والأقسام، والكلام المباح، فلا بأس به. فإن كان بشيء من السحر، فقد توقف أحمد عنه، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن رجل يزعم انه يحل السحر، فقال: قد رخص فيه بعض الناس، قيل لأبي عبد الله: انه يجعل في الطنجير ماءً، ويغيب فيه، ويعمل كذا، فنفض يده كالمنكر، وقال: ما أدري ما هذا، قيل له: فترى ان يؤتى مثل هذا يحل السحر؟ فقال: ما أدري ما هذا. وروي عن محمد بن سيرين، أنه سئل عن امرأة تعذبها السحرة، فقال رجل: أخط خطًا عليها، وأغرز السكين عند مجمع الخط، واقرأ القرآن. فقال محمد: ما أعلم بقراءة القرآن بأسًا على حال، ولا أدري ما الخط والسكين. وروي عن سعيد بن المسيب، في الرجل يؤخذ عن امرأته، فيلتمس من يداويه، فقال: إنما نهى الله عما يضر، ولم ينه عما ينفع. وقال أيضاً: إن استطعت أن تنفع أخاك فافعل. فهذا من قولهم يدل على أن المعزم ونحوه، لم يدخلوا في حكم السحرة، لأنهم لا يسمون به، وهو مما ينفع ولا يضر)(٣). فهذه ثلاثة آثار عن السلف:
- فأما المروي عن أحمد، ﵀، فليس في السؤال أنه يحل السحر بالسحر! وليس فيه ما يدل على التوقف، بل فيه ما يدل على الإنكار والتبرؤ:(فنفض يده كالمنكر، وقال: ما أدري ما هذا، قيل له: فترى ان يؤتى مثل هذا يحل السحر؟ فقال: ما أدري ما هذا).
- وأما المروي عن ابن سيرين، فإنه أبى أن يقر غير القرآن، وبرأ من الخط والسكين.
- وأما المروي عن ابن المسيب، فإنه يدل على رفض السحر، لأنه يضر ولا ينفع، كما قال تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ
(١) أخرجه ابن حبان برقم (١٣٩١)، وحسنه الألباني في غاية المرام: (٣٠، ٦٦) (٢) أخرجه البخاري في باب شراب الحلواء والعسل: ٧/ ١١٠ (٣) الشرح الكبير على متن المقنع (١٠/ ١١٧)