وفي قوله هنا "رواه أهل السنن" فيه نوع تجوز؛ لأنه رواه أبو داود، والترمذي فقط، ولم يروه ابن ماجه والنسائي. وقد رواه أيضاً الإمام أحمد (١)، وأبو داود الطيالسي (٢)، والبيهقي (٣)، والحاكم (٤)، والطبراني (٥)، وقد حسنه الترمذي (٦)، وصححه ابن حبان (٧)، وممن حسنه أيضاً البغوي (٨)، وقد أثبته شيخ الإسلام بن تيمية ﵀، واحتج به (٩)، وكذا ابن القيم (١٠). وبعضهم أعلّه بأبي صالح باذان، وفي الحديث نقاش، لكن الغالب أن هذا الحديث حسن، يحتج به -إن شاء الله-.
مناسبة الحديث للباب:
ظاهره، لما فيه من لعن معظمي القبور، باتخاذ المساجد والسرج عليها، المفضي إلى توثينها.
فوائد الحديث:
١ - تحريم الغلو في القبور بجعلها مواطن للعبادة.
٢ - تحريم إسراج القبور، وإضاءة المقابر على وجه التعظيم، بإيقاد الشموع، والإضاءة الخاصة؛ لأن هذا يدخل في هذا الوعيد، وأما اتخاذ إضاءة لغرض آخر، كأن يحتاج الناس إلى الدفن في الليل، لجلب اللبِن، وتهيئة القبر، ونقل الميت، أو ليروا طريقهم، وما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأنه ليس المقصود به تعظيم قبر معين، ولا تعظيم عموم المقبرة، وإنما قصد به الارتفاق، والإحسان في تجهيز الميت، وإنارة الطريق لمتبعي الجنازة، ويكون هذا مؤقتاً بقدر الحاجة. أما اتخاذ ذلك على سبيل الديمومة، وتزيين القبور، وتزويقها، فهو داخل في الوعيد.
(١) أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (٢٠٣٠) وقال محققو المسند: "حسن لغيره دون ذكر السرج، وهذا إسناد ضعيف". (٢) مسند أبي داود الطيالسي برقم (٢٨٥٦). (٣) سنن البيهقي الكبرى برقم (٦٩٩٨). (٤) المستدرك على الصحيحين للحاكم برقم (١٣٨٤). (٥) المعجم الكبير - الطبراني برقم (١٢٥٥٧). (٦) سنن الترمذي ت شاكر برقم (٣٢٠). (٧) صحيح ابن حبان برقم (٣١٧٩). (٨) شرح السنة للبغوي (٢/ ٤١٧). (٩) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (٣/ ٥٣). (١٠) تهذيب سنن أبي داود، وإيضاح مشكلاته (٢/ ١٠٥).