فمنهم: من ذهب إلى أن زيارة النساء للقبور محرمة، إذا وقعت على سبيل التكرار، أخذاً برواية "زوارات". ومنهم: من جعل ذلك ممنوعاً من أصله. والثاني أرجح. وللشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ﵀، جزء في زيارة النساء للقبور، وهو بحث حديثي فقهي رصين، انتهى فيه إلى منع زيارة النساء للقبور مطلقاً، وأجاب عما استدل به المجيزون لزيارة النساء للقبور، كاستدلالهم: بكون عائشة ﵂ وقفت على قبر أخيها محمد، وتمثلت بأبيات، بأن ذلك لم يكن منها قصداً لزيارة القبر، وإنما وقع اتفاقًا، لكونها مارة في الطريق دون قصد زيارة القبر، وفرق بين من يقصد الزيارة، وبين من يمر بالطريق ويحاذي القبر.
ومما يدل أيضاً على منعهن: ما جاء في السنن من أن النبي ﷺ لقي يوماً فاطمة، فقال:"ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ " قالت: أتيت أهل هذا البيت، فرحمت إليهم ميتهم، وعزيتهم، فقال:"لعلك بلغت معهم الكدى؟ " قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها معهم، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر، قال:"لو بلغتها معهم، ما رأيت الجنة، حتى يراها جد أبيك"(١)، يعني: عبد المطلب. وليس من أسلوب العرب، ولا من لغة الشارع، أن يكون هذا الوعيد الشديد باللعن لمن أكثر من الزيارة، وانتفاؤه في الزيارة والزيارتين، فما كان كثيره يوجب اللعن، دل على أن أصله محرم، وما كان أصله يبلغ مبلغ اللعن فلا يكون قليله مباحاً.
فالقول الصحيح: هو عدم جواز زيارة النساء للقبور.
قوله:"رواه أهل السنن" أهل السنن الأربعة هم: الترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه، وأما الخمسة فالمراد بهم: الأربعة، مضافاً إليهم أحمد، فإن قيل: رواه الجماعة، فهم سبعة، هؤلاء الخمسة، إضافة إلى البخاري ومسلم، فإن قيل التسعة، فهؤلاء السبعة، مضافًا إليهم: موطأ مالك، وسنن الدارمي. وهذه أمور اصطلاحية، وقد لا تنضبط في كل كتاب.
(١) أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (٦٥٧٤) وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف".