للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - بيان علة نهي النبي عن الصلاة عند القبور؛ وهي خوف الشرك، خلافاً لمن قال من الشراح: إن العلة هي النجاسة؛ لكون تراب المقبرة يختلط برفات الموتى! وهو تعليل عليل، بل ميت، ومما يدل على بطلانه: أن النبي ذكر أحاديث كثيرة في التحذير والوعيد من اتخاذ القبور مساجد، ولعن فاعل ذلك، وقرنه بعبادتهم. كما أنه قرنه هنا بمسألة الإسراج، الذي يدل على أن المحذور هو التعظيم. ثم لا يمكن أن يختلط رفات الموتى بأرض المقبرة، فالميت يدفن بعمق نصف قامة رجل، فكيف يختلط رفاته بالتراب الذي يكون على ظاهر المقبرة. ولهذا لا بأس بالصلاة على الجنازة في المقبرة، ولم يزل الناس يفعلون ذلك، ويصلون عليها. فهذا التعليل الذي ذهب إليه بعض الشراح ليس صواباً، وإنما النهي لسد ذرائع الشرك.

ثم قال المصنف :

فيه مسائل:

الأولى: تفسير الأوثان.

فالوثن أعم من الصنم، فلو اتخذ القبر مقصداً للعبادة صار وثناً.

الثانية: تفسير العبادة.

وذلك بالغلو بها، وتعظيمها، وقصدها والعكوف عندها.

الثالثة: أنه لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه.

استعاذ النبي لا بلفظ الاستعادة، وإنما بلفظ الدعاء، فقال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد"، فهذا سؤال منه لربه ﷿ أن لا يقع هذا المحذور، فهو بمعنى الاستعادة بالمعنى العام، ولا شك أنه لم يستعذ إلا مما يتوقع حصوله.

الرابعة: قرنه بهذا اتخاذ قبور الأنبياء مساجد.

فقد علّل ذلك بذكر باشتداد غضب الله ﷿، على من اتخذ القبور مساجد،

<<  <  ج: ص:  >  >>