للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ﴾ [الأنعام: ١٥٦] والطائفتان اللتان أُنزل عليهما التوراة والإنجيل، هم اليهود والنصارى.

وهذا المصطلح (أهل الكتاب) لا يدل، بحد ذاته، على مدح ولا ذم، فإنهم أهل الكتاب بمعنى: أن الكتاب أنزل عليهم؛ ولهذا يُعبر الله تعالى أحياناً بقوله: ﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ١٠١]، ومرة بقوله: ﴿وَرِثُوا الْكِتَابَ﴾ [الأعراف: ١٦٩]، ومرة بقوله: ﴿أُورِثُوا الْكِتَابَ﴾ [الشورى: ١٤]، فلا يكون مدحاً لهم إلا إذا أقاموهما به، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [المائدة: ٦٦]، وإن هم ضيعوهما كان ذلك ذماً، وعاد حجة عليهم.

وقد آل الحال بأهل الكتاب إلى تحريفه، وتضييعه؛ ولما بُعث نبينا كانت فرصة سانحة لأهل الكتاب أن يرجعوا إلى ملة إبراهيم، فإن الله تعالى قد قال: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل: ٧٦]، فكان القرآن رافعاً للإشكال والالتباس الذي وقع فيه اليهود والنصارى، فلو أنهم اغتبطوا بنعمة الله، وقبلوا ما ساق الله تعالى إليهم من الخير لنجوا وسعدوا، وقد جرى ذلك لكثير منهم -ولا ريب-، فإن الله تعالى قال في كتابه: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٢ - ٥٥] فهؤلاء يؤتون أجرهم مرتين؛ لأنهم أمنوا برسولهم الأول، ثم آمنوا بمحمد ثانياً، بخلاف الذين أصروا على كفرهم وتكذيبهم، وقولهم بأن الله ثالث ثلاثة، وأن عيسى ابن الله، أو هو الله، وقولهم بالحلول والتجسد والبنوة، وغير ذلك من العقائد الباطلة التي عليها نصارى اليوم، أو اليهود الذين قالوا: عزير ابن الله، وكذبوا بمحمد .

وقد وجه الله تعالى إلى أهل الكتاب جملة من النداءات، من بينها هذا النداء العظيم:

قوله: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ أي: لا تتجاوزوا ما أمركم الله تعالى به في العقائد والأعمال. وأكثر غلو النصارى في العقائد، وأكثر

<<  <  ج: ص:  >  >>