للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبدان، وينفذ فيها، فهذا أثر سماعهم لكلام الرب فيخضعون بأجنحتهم، ويصيبهم الغشي. وقد تقدم تفسيرها.

قوله: "فيسمعها" أي: تلك الكلمة التي تكلم الله بها الرب، وتلقتها الملائكة. والمقصود بالكلمة: الكلام، فإن الكلمة تدل في لغة العرب على الجملة.

قوله: "فيسمعها مسترق السمع" اسم جنس للشيطان من الجن، الذي يصعد في أجواز الفضاء؛ ليسترق السمع، وينزل به على الكاهن.

قوله: "ومسترق السمع هكذا، بعضه فوق بعض؛ وصفه سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه" هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي ، من أئمة السلف، ومن الحفاظ الأثبات الثقات، كانت وفاته سنة (١٩٨ هـ). وقوله (فحرفها) أي: جعلها كالحرف، وبدد بين أصابعه، أي: فرقها، كأنها طبقات من الجن يلقي بعضهم إلى بعض القول.

قوله: "فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن" فهي سلسلة متصلة من الشياطين، مسترقي السمع، يوصلونها إلى الساحر أو الكاهن. والفرق بين الساحر أو الكاهن: أن الساحر هو من يستخدم ما دق ولطف سببه في التأثير. وأما الكاهن: فهو من يدعي العلم بالمغيبات، والأمور المستقبلة. وسيأتي لهما مزيد بيان في أبواب مستقلة.

قوله: "فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة" الشهاب: أجزاء منفصلة من النجوم والأجرام السماوية، تحرق الشياطين، كما قال الله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ [الصافات: ١٠] فيرمي الله الجن والشياطين بهذه الشهب فتحرقهم. وهذا الشهاب الذي يصوَّب على مسترقي السمع، ربما أدركه قبل أن يلقي الكلمة، فأحرقه، فانقطع السند، وربما تمكن من إلقائها إلى من تحته، حتى تبلغ الساحر أو الكاهن.

والرمي بالشهب قد كثر قبيل بعثة النبي ؛ وذلك من إرهاصات نبوته، فقد كانت الجن تسترق السمع، ويصعدون في أجواز الفضاء، ويمدون السحرة

<<  <  ج: ص:  >  >>