وقيل: إنما لم يُسْقَوا؛ معاقبةً لجنايتهم، وكفرِهم سقيَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ألبانَ تلكَ الإبل، فعاقبهم اللَّه تعالى بذلك، فلم يُسْقَوا.
وقيل: بل عاقبهم اللَّه بذلك؛ لإعطاشِهم آلَ بيتِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأخذِ لِقاحِهم، ودعاءِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليهم في حديث رواه ابن وهب: أنه قال: "عَطَّشَ اللَّهُ مَنْ عَطَّشَ آلَ مُحَمَّدٍ اللَّيْلَةَ"(١)، فكان تركُ الناس سقيَهم إجابةً لدعائه -عليه الصلاة والسلام-، وتنفيذًا لعقوبتهم، وهذان الوجهان حسنان لا يبقى معها اعتراض ولا إشكال.
قلت: وأما قوله في الحديث الآخر: "إنها إبلُ الصَّدَقة"، فالجمع بينهما: أن لقاحَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت ترعى مع إبلِ الصدقة، فاستاقوا الجميعَ، ويدلُّ عليه قولُه في الحديث الآخر: وَساقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ (٢).
* * *
(١) رواه النسائي (٤٠٣٦)، كتاب: تحريم الدم، باب: ذكر اختلاف طلحة بن مصرف ومعاوية بن صالح على يحيى بن سعيد في هذا الحديث، من حديث سعيد بن المسيب مرسلًا. (٢) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (١٦٧١/ ٩). وانظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (٥/ ٤٦٢) وما بعدها.