وِجاءً، أو وازعًا عن الوقوع في منهيٍّ عنه، هذا مع ما تقدم من صومه -عليه الصلاة والسلام- في السفر، هو وعبدُ اللَّه بنُ رواحة، وغير ذلك من الصيام في السفر، وعلَامَ يحملونه؛ فإنه -عليه الصلاة والسلام- لم يفعل ذلك عبثًا، وإنما فعله على وجه العبادة، وإبراء الذمة، وكيف تبرأ الذمة بصومٍ لا ينعقد على ما يزعمون؟
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "عليكم برخصة اللَّه" دليلٌ على استحباب الأخذ بالرخصة عندَ الاحتياج إليها، وتركِ التنطُّع والتعمُّق في الدين، وقد جاء:"هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ"(١)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ؛ فَإِنَّ المُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى"(٢)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ يُشَادَّ (٣) هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ"(٤)، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-، واللَّه تعالى الموفق.
* * *
(١) رواه مسلم (٢٦٧٠)، كتاب: العلم، باب: هلك المتنطعون، من حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-. (٢) رواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص: ٩٥)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (١١٤٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ١٨)، وغيرهم من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، واختلف في رفعه وإرساله، وقد صحح بعضهم الإرسال. (٣) في "ت": "يشدد". (٤) رواه البخاري (٣٩)، كتاب: الإيمان، باب: الدين يسر، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.