فصل: اختُلف في ابتداء فرضِ الصيام، فقيل: إن أولَ ما فُرض صومُ عاشوراء، وقيل: لم يكن فرضًا، وإنما كان تطوعًا.
قال ابن الصباغ من الشافعية: وهذا هو الظاهر في الرواية.
وحكي عن معاذ بن جبل: أنه قال: لما قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينةَ، أمر بصيام ثلاثةِ أيام من كل شهر، وذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ١٨٣]، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[البقرة: ١٨٥] إلى قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥].
قال بعض المتأخرين من أصحابنا: وفي إطلاق لفظِ النسخ هنا، وأنه مأخوذٌ من هذه الآية تَجَوُّزٌ؛ لأنه لم يقل فيها: لا تصوموا إلا شهر رمضان، بل ظاهر الآية على هذا النقل: إيجابُ ثلاثة أيام من كل شهر، وإيجابُ صوم شهرِ رمضانِ (١)، وإنما المراد: أنه فُهم عند نزول هذه الآية بدليل (٢) آخر، أن لا واجبَ إلا رمضان.
والذي ذهب إليه الشافعي: أن المراد بقوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}[البقرة: ١٨٤]: شهرُ رمضان، وهذا هو الظاهر؛ لما في قوله
(١) "بل ظاهر الآية على هذا النقل: إيجاب ثلاثة أيام من كل شهر، وإيجاب صوم شهر رمضان" ليس في "ت". (٢) في "ت": "دليل".