الثاني (١): مما يدل على النسخ ما أشار إليه بعضُهم دون تقريرٍ حسنٍ له، وتقريره: أن إسلام مُعاذ متقدِّم، وقد صلى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد سنتين من الهجرة صلاةَ الخوف غيرَ مرة، على وجه وقع (٢) فيه مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية للصلاة في غير حالة الخوف، فيقال: لو جاز للمفترض الصلاةُ خلف المتنفل، لأمكنَ إيقاعُ الصلاة مرتين على وجهٍ لا تقع فيه المنافاة والمفسدات في غير هذه الحالة، وحيث صليت على هذا الوجه، مع إمكان دفع المفسدات -على تقدير جواز صلاة المفترض خلف المتنفل-، دل على أنه لا يجوز ذلك.
وبعد ثبوت هذه الملازمة يبقى النظر في التاريخ، وقد أشير بتقدُّم (٣) إسلامِ معاذ إلى ذلك، وفيه ما تقدمت الإشارة إليه.
- الوجه الرابع من الاعتذارات عن الحديث: ما أشار إليه بعضُهم من أن الضرورة دعت إلى ذلك، لقلة القُراء في ذلك الوقت، ولم يكن لهم غِنًى عن معاذ، ولم يكن لمعاذٍ غِنًى عن صلاته مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا يحتمل أن يريد به قائلُه معنى النسخ، فيكون كما تقدم.
(١) في "ق": "الثالث"، والصحيح ما أثبت، والمراد: الثاني من ادعاء وجهي النسخ. (٢) في "خ": "تقع". (٣) في "ق": "بتقديم".