وندب الله سبحانه إلى ابتداءِ التحية فقَال:{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}[النور: ٦١]، والأمر محمولٌ على الاستحبابِ إجماعاً، نقله ابنُ عبدِ البَرِّ وغيرُه (٢).
قالوا: وهو مستحبٌّ على الكِفاية، فإذا سَلَّمَ من الجميعِ واحدٌ، تأدَّتِ السنَّةُ بذلك (٣)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يُسَلِّمُ الراكبُ على الماشي، وإذا سَلَّمَ واحد (٤) من القومِ، أَجْزَأَ عنهم".
ولنتكلمْ فيه؛ إذ الموضعُ على الردِّ، ثم نؤخِّرُ الكلامَ على الابتداءِ إلى موضعه -إن شاء الله تعالى-.
فنقول: أطلقَ الله سبحانه التحيةَ هُنا، وقَيَّدهَا في موضِعٍ آخرَ، فقال سبحانَه وتعالى:{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}[النور: ٦١]، فخرج من الإطلاقِ تحيةُ العَرَبِ؛ كقولهم: أطالَ اللهُ بقاءَكَ، وأسعدَ مساءَكَ، وأبيتَ اللَّعْنَ، وما أشبهَ ذلك، فإنه لا يستحقُّ جواباً.
(١) رواه مالك في "الموطأ" (٢/ ٩٥٩). قال النووي: هذه مرسل صحيح الإسناد. انظر: "الأذكار" للنووي (ص: ١٩٥). (٢) قال ابن عبد البر: أجمع العلماء أن الابتداء بالسلام سنة، وأن الرد فرض، انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٨/ ٤٦٤). (٣) جاء عن القاضي عبد الوهاب أن ابتداء السلام سنة أو فرض كفاية، ومعنى فرض كفاية كما فسره القاضي عياض: أن إقامة السنن وإحيائها فرض على الكفاية. انظر: "رسالة القيرواني" (ص: ١٦١)، و"فتح الباري" لابن حجر (١١/ ٤)، و"حاشية العدوي" (٢/ ٦١٨). (٤) في "أ": "أحد".