وقوله تعالى:{وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} قال بعضهم: هذه الواو مقحمة زائدة، والجالب للام في نجعلك (لبثت)، كأنه قال: بل لبثت مائة عام لنجعلك آية للناس (١){فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ} على هذا تقدير الآية ونظمها، وإقحام الواو جائز عند بعض الكوفيين، أجازوا ذلك في مواضع من التنزيل، سنذكرها إن شاء الله.
وقال الفراء: دخلت الواو لنية فعل بعدها مضمر (٢)، لأنه لو قال: لنجعلك، كان شرطًا للفعل الذي قبله، كأنه قيل: ولنجعلك آية للناس فعلنا ذلك، يعني: ما فعله من الإماتة والإحياء، ومثله قوله:{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ}[الأنعام: ١٠٥] معناه: وليقولوا دارست صرّفْناها، ومثله {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}[الأنعام: ٧٥] أراد: وليكون من الموقنين نريه الملكوت (٣).
ومعنى كونه آية للناس: أنه لما أحيي بعد الإماتة كان ذلك دلالة على البعث بعد الموت في قول أكثر المفسرين (٤). وقال الضحاك وغيره: جعله الله آية للناس بأن بعثه شابًا أسودَ الرأس واللحيةِ وبنو بنيه شيب (٥).
(١) من قوله: (كأنه قال). سقطت من (أ) و (م). (٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٣. (٣) ينظر في إعراب الآية: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢٠، "التبيان" ١/ ١٥٥ - ١٥٦، "البحر المحيط" ٢/ ٢٩٣. (٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢١. (٥) نقله عن الضحاك: الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٢١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٠، وروى سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٧٢ نحوه عن المنهال بن عمرو، وروى=