فلو كان النظرُ الرؤيةَ لم يطلب عليه الجزاء، أي: المحب لا يستثيب من النظر إلى محبوبه شيئًا، بل يريد ذلك ويتمناه، ويدل على ذلك قول الآخر:
ونظْرَة ذي شِجَنٍ وأَمْنٍ ... إذا ما الرَّكَائِبُ جاوَزْنَ مِيلًا (١).
فهذا على التوجه إلى الناحية التي المحبوبُ فيها، وتقليب البصر نحوها، وما يعالج من التلفت والتقلب، كقول الآخر:
ما سِرتُ مِيلًا ولا جَاوَزْتُ مَرْحَلةً ... إلا وذكركِ يَلْوِيْ دايبًا عُنُقِيْ (٢)
هذا الذي ذكرنا هو الأصل في اللغة (٣)، ثم يجوز أن يعني بالنظر: الرؤية؛ لأن تقليب البصر نحو المُبْصَر تتبعه (٤) الرؤية، وقد يجري على الشيء لفظ ما يتبعه ويقترن به، كقولهم للفِنَاء: عَذِرَة، ولذي بطن الإنسان: غائط.
والنَّظَر يُعَدَّى بإلى، ثم يجوز أن يُحْذَفَ الجار وُيوصَل الفعل كما أنشده (٥) الأخفش:
(١) البيت في "المفضليات" ١/ ٥٦ ولم ينسبه. وقوله وأمن كذا في المخطوطة وفي "المفضليات": (وامق) ولعلها أصوب. (٢) البيت في "الحلة السيراء" ١/ ٩٤، وفي "محاضرات الأدباء" ٢/ ٧٣. ولم أهتد لقائله. (٣) ينظر في (نظر) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٠٣ - ٣٦٠٦، "المفردات" ص ٤٩٩ - ٥٠٠، "اللسان" ٧/ ٤٤٦٥ - ٤٤٦٨ (نظر)، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٤. (٤) في (م): (يتبعه). (٥) في (أ): (م) (أنشد). (٦) البيت لعبد الله بن قيس الرقيات في "ديوانه" ص ٨٨ وذكره في "البحر المحيط".