{إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى}(١) أى يقولون: ما نعبدهم.
وظاهر لفظ قوله تعالى:{أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} أن انتصاب {حُبَّ الْخَيْرِ} على المصدر، وليس كذلك، لأنه لم يخبر أنه أحبّ حبّا مثل حبّ (٢) الخير، كما قال:
{فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}(٣) أى شربا مثل شرب الهيم، وكقولك: ضربته ضرب الأمير اللّصّ، أى ضربا مثل ضرب الأمير اللصّ، لأنه لو أراد هذا لأخرج الخيل عن أن تكون من الخير، إذ التقدير: أحببت الخيل حبّا مثل حبّ الخير، وإذا كان هذا القياس ظاهر الفساد كما ترى، كان انتصاب {حُبَّ الْخَيْرِ} على وجهين:
أحدهما: أن يكون مفعولا به، والمعنى آثرت حبّ الخير، لأنك إذا أحببت الشىء فأنت مؤثّر له، وهذا قول الفراء (٤) والزجّاج، و {الْخَيْرِ} هاهنا: هو الخيل، وتسميتها بالخير مطابق لقوله عليه السلام: «الخيل معقود فى نواصيها الخير (٥)».
وقوله:{عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} إن شئت علّقته بالمعنى الذى حملت {أَحْبَبْتُ} عليه وجعلت «عن» نائبة مناب «على»، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}(٦) أى على نفسه، فكأنه قيل: آثرت حبّ الخير على ذكر ربّى، وإن شئت علّقت «عن» بحال (٧) محذوفة تقديرها: آثرت حبّ الخير غافلا عن ذكر ربى، أو منصرفا عن ذكر ربّى.
(١) الآية الثالثة من سورة الزمر. (٢) هذا الكلام بنصه فى مشكل إعراب القرآن لمكّى ٢/ ٢٥٠. (٣) سورة الواقعة ٥٥. (٤) معانى القرآن للفراء ٢/ ٤٠٥، وللزجاج ٤/ ٣٣١، وانظر إعراب القرآن للنحاس ٢/ ٧٩٤. (٥) أخرجه البخارى فى (باب الخيل معقود فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة. من كتاب الجهاد) و (باب حدثنا مسدّد. من فرض الخمس) و (باب حدّثنا مسدّد، من أواخر كتاب المناقب) صحيح البخارى ٤/ ٣٤،١٠٤،٢٥٢، ومسلم فى (باب إثم مانع الزكاة. من كتاب الزكاة) و (باب الخيل فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة. من كتاب الإمارة) صحيح مسلم ص ٦٨٣،١٤٩٢، والحديث دائر فى غير الصحيحين من دواوين السنّة. انظر المعجم المفهرس ٤/ ٢٩٤. (٦) الآية الأخيرة من سورة محمد عليه الصلاة والسّلام. (٧) وتكون «عن» حينئذ على بابها، كما صرّح ابن هشام فى المغنى ص ١٥٨.