أراد لنا شمسها وقمرها، وليس للماء اسم آخر مؤنّث فيحمل على المعنى، كما قالوا:«أتته كتابى فاحتقرها»(١) لأن الكتاب فى المعنى صحيفة، وكما قال الشاعر (٢):
قامت تبكّيه على قبره ... من لى من بعدك يا عامر
تركتنى فى الدار ذا غربة ... قد ذلّ من ليس له ناصر
/كان الوجه أن يقول: ذات غربة، وإنما ذكّر لأن المرأة إنسان، فحمل على المعنى.
والثانى: أنه قال: «أرخاهما للمفصل» وأفعل هذا موضوع لمشتركين (٣) فى معنى وأحدهما يزيد على الآخر فى الوصف به، كقولك: زيد أفضل الرجلين، فزيد والرجل المضموم إليه مشتركان فى الفضل، إلا أن فضل زيد يزيد على فضل المقرون به، والماء لا يشارك الخمر فى إرخاء المفصل.
والثالث: أنه قال فى الحكاية: «فالخمر عصير العنب» وقول حسان:
«حلب العصير» يمنع من هذا؛ لأنه إذا كان العصير الخمر، والحلب هو الخمر،
(١) تمامه ما حكاه الأصمعىّ، عن أبى عمرو بن العلاء، قال: «سمعت رجلا من اليمن يقول: فلان لغوب، جاءته كتابى فاحتقرها، فقلت له: أتقول: جاءته كتابى! قال: نعم أليس بصحيفة؟». الخصائص ١/ ٢٤٩،٢/ ٤١٦، وسرّ الصناعة ص ١٢، وإيضاح شواهد الإيضاح ص ٤٤٩، وضرائر الشعر ص ٢٧٥، واللسان (كتب-لغب). ونزهة الألباء ص ٢٩ (ترجمة أبى عمرو). وسيأتى فى المجلس الثانى والثمانين. واللغوب هنا: الأحمق، كما جاء فى كلام اليمنىّ نفسه. (٢) امرأة من العرب، كما ذكر أبو بكر بن الأنبارى فى المذكر والمؤنّث ص ١٥١، ونسب فى المحكم (عمر) ٢/ ١٠٩ إلى الأعشى، مع أن سياقه يوجب أن يكون القائل امرأة. قال ابن سيده: «وإنما أنشدنا البيت الأول لنعلم أن قائل هذا البيت امرأة». هذا إلى أن الشعر لا يوجد فى ديوان الأعشى المطبوع. وممن نسبه إلى أعرابيّة: ابن عبد ربه فى العقد ٣/ ٢٥٩،٥/ ٣٩٠ - وروايته يفوت معها الاستشهاد. وانظر حواشى الموضع الأول. وانظر أيضا: الأصول ٣/ ٤٣٨، والإفصاح ص ٦٨، والإنصاف ص ٥٠٧، ٧٦٣، وشرح المفصل ٥/ ١٠١، وشرح الجمل ٢/ ٥٦٩، وانظر تخريجا أوفى، فى ضرورة الشعر ص ٤٦، والبلغة فى الفرق بين المذكر والمؤنث ص ٦٥. (٣) فى د، والغيث المسجم فقط: للمشتركين.