والعامل في {أنهارًا} هو الفعل {ألقى}، وذلك باعتبار المعنى، قال مكي بن أبي طالب:"ولا يحسن حمله على {ألقى} لأنه لا يقال: ألقى الله الأنهار والسبل، ولكن حمل على المعنى؛ لأن معنى {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ}: جعل فيها رواسي، فعطف {وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا} على هذا المعنى". اهـ (١)
أمّا قول ابن عطية بأن أنهارًا مفعول به لفعل مقدر، والتقدير: وجعل أنهارًا، فليس بضعيف كما قال السمين، بل هو جائز، وهو أولى من التقدير الآخر الذي استحسنه: شَقّ أنهارًا، لأن (جَعَلَ) له ما يشهد له بخلاف (شَقّ)؛ قال- تعالى-: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا}[الرعد: ٣]، وقال:{وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا}[النمل: ٦١].
ولكن الخطأ إنما هو فيما قاله ابن عطية بعد ذلك، حيث ادعى الإجماع على إضمار فعل، وقال بأن في هذا الإجماع دليل على أنّ {ألقى} ليست بمعنى (جعل) أو (خلق)(٢).
والسمين لم يوضح ذلك في استدراكه على ابن عطية، وصرّح بذلك أبو حيان حيث قال:"وأيّ إجماع في هذا، وقد حُكِيَ عن المتأولين أنَّ {أَلْقَى} بمعنى: خَلقَ وجَعَل". اهـ (٣)
(١) الهداية إلى بلوغ النهاية (٦: ٣٩٦٥). (٢) ينظر: المحرر الوجيز (٣: ٣٨٤). (٣) تفسير أبي حيان (٦: ٥١٤).