انظر يا عبد اللَّه، وتأمّل في شأنهما: يقومان بأجلّ الأعمال وأرفعها بإذنٍ من ربهما تعالى، وهما يسألان {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}، فتأمّل كيف كان حالهما من الخوف والرجاء ألاّ يتقبل عملهما، فإذا كان هذا حال إمام الحنفاء، وقدوة الموحدين، فكيف بحالنا وتقصيرنا؟.
فعن وهيب بن الورد أنه قرأ:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}، ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك؟)) (٢). وهذا كما حكى اللَّه تعالى عن حال المؤمنينَ الخُلَّص في قوله تعالى:{وَالَّذينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا}(٣)، أي يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات:{وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}(٤)، أي: خائفة ألاّ يتقبل منهم، كما جاء في الحديث أن عائشة رَضْيَ اللَّهُ عنْهَا سألت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: ((أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ، وَيُصَلُّونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ
(١) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (يزفّون)، ٤/ ١٤٥، برقم ٣٣٦٥. (٢) تفسير ابن كثير، ١/ ٢٥٤. (٣) سورة المؤمنون، الآية: ٦٠. (٤) سورة المؤمنون، الآية: ٦٠.