وهذا القول هو مذهب الجماهير، قال النووي:" وذهب الجماهير من السلف والخلف من جميع الطوائف إلى انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر، وهو مروي أيضاً عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وقد تظاهر على ذلك دلائل من الكتاب، والسنة، واستعمال سلف الأمة وخلفها "(١)، وقال ابن القيم:" وقد دل القرآن، والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم، والأئمة، على أن الذنوب كبائر وصغائر ". (٢)
ونُقل عن بعضهم: أن المعاصي قسم واحد، كلها كبائر، قال ابن عباس: كل شيء نهى الله تعالى عنه، فهو كبيرة، وهو قول أبي إسحاق الاسفرائيني، والباقلاني، والجويني، وابن فورك. واحتجوا: بأن كل مخالفة، فهي بالنسبة إلى جلال الله تعالى كبيرة. وقالوا: إنما يُقال لبعضها صغيرة، بالنسبة إلى ما هو أكبر منها، كما يُقال: الزنا صغيرة بالنسبة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة، بالنسبة إلى الزنا، وكلها كبائر، وقالوا: معنى قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}[النساء:٣١]، إن تجتنبوا الكفر، كفرت عنكم سيئاتكم التي هي دون الكفر. (٣) ويُشار هنا إلى مسألتين ذكرهما السمعاني:
١ - فقد ذكر أن تكفير الصغائر معلق بالمشيئة، ردا على من قال: إنه باجتناب الكبائر تقع الصغائر مكفرة، فقال: ومذهب أهل السنة: أن تكفير الصغائر معلقة بالمشيئة، فيجوز أن يعفو الله عن الكبائر ويأخذ بالصغائر، ويجوز أن يجتنب الرجل الكبائر، فيؤخذ بالصغائر (٤).
(١) النووي: شرح مسلم: ٢/ ٨٥ (٢) ابن القيم: الجواب الكافي: ١٣٤ (٣) النووي: شرح مسلم: ٢/ ٨٤، الشوكاني: إرشاد الفحول: ١/ ١٤٤ (٤) - السمعاني: مرجع سابق: ١/ ٤٢١