وأما عيسى عليه السلام، فقد قيل: إنه أُوتي الإنجيل وهو طفل صغير، وكان يعقل عقل الرجال، وقال الحسن: جُعل نبياً وأوتي الإنجيل وهو في بطن أمه، وهو تأويل قوله تعالى:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:٣٠]، وقيل المعني: سيؤتيني الكتاب، ويجعلني نبياً إذا صرت رجلاً، قال السمعاني: والصحيح هو الأول (١). وذكر الرازي هذا الخلاف، وأدلته، ثم قال:" وقوله " آتَانِيَ الْكِتَابَ " يدل على كونه نبياً في ذلك الوقت، فوجب إجراؤه على ظاهره، بخلاف ما قاله عكرمة "(٢)، وقال عكرمة:" آتَانِيَ الْكِتَابَ " أي: قضى أنه يُؤتيني الكتاب فيما قضى. (٣)
٦ ـ أن كل رسول أرسل بلسان قومه، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}[إبراهيم:٤]، يقول السمعاني:" والحكمة في هذا: هو أنه إذا أرسله بلسان قومه عقلوا قوله، وفهموا عنه. فإن قال قائل: إن الله بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل الخلق على ما قال: " بعثت إلى الأحمر والأسود " (٤)، ولم يبعث بلسان كل الخلق؟ والجواب عنه: أن سائر الخلق تبع للعرب في الدعوة، وقد بُعث بلسانهم، ثم إنه بَعَث بالرسل إلى الأطراف يدعونهم إلى الله، وترجم لهم قوله "(٥).
(١) السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ٢٩٠ (٢) الرازي: مفاتيح الغيب: ٢١/ ٥٣٤ (٣) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: ٥/ ٢٢٩ (٤) أخرجه مسلم في صحيحه، باب قدر ما يستر المصلي، ح (٥٢١) (٥) السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ١٠٣