ولذا يقول نعيم بن حماد:" من شبه الله بخلقه كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه "، يقول الذهبي معلقاً عليه:" قلت: هذا الكلام حق، نعوذ بالله من التشبيه، ومن إنكار أحاديث الصفات، فما ينكر الثابت منها من فَقُهَ، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان:
المقام الأول: تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب، فما أولها السلف، ولا حرفوا ألفاظها عن موضعها، بل آمنوا بها، وأمروها كما جاءت.
المقام الثاني: المبالغة في إثباتها، وتصورها من جنس صفات البشر، وتشكلها في الذهن، فهذا جهل وضلال، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف ـ عز وجل ـ لم نره، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه، مع قوله لنا في تنزيله: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " (الشورى ١١)، فكيف بقي لأذهاننا مجال، في إثبات كيفية البارئ، تعالى الله عن ذلك، فكذلك صفاته المقدسة نقر بها، ونعتقد أنه حق، ولا نمثلها أصلاً، ولا نتشكلها "(١). فالواجب في هذا الباب: الإقرار والإمرار، يقول الذهبي:" سُئل الأديب أبو المظفر عن أحاديث الصفات، فقال: تُقر وتُمر "(٢)، ونقل عن الخطيب البغدادي قوله:" أما الكلام في الصفات، فإن ما رُوي منها في السنن الصحاح، مذهب السلف إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها "(٣).
ومن هنا نعلم أن السلف كانوا ينهون عن الخصومة والجدال في الدين، والسير على منهج أهل الكلام، ومن ألطف ما نُقل في هذا الباب، ما قاله القاضي أبو يوسف:" العلم بالخصومة والكلام، جهلٌ، والجهل بالخصومة والكلام، علم "، يقول الذهبي معلقاً:" قلت: مثاله شبهٌ وإشكالات من نتائج أفكار أهل الكلام، تُورَدُ في الجدال على آيات الصفات وأحاديثها، فيكفِّر هذا هذا، وينشأ الاعتزال، والتجهم، والتجسيم، وكل بلاء، نسأل الله العافية "(٤).