وقال القصَّاب (١): " وهو شرك الطاعة؛ لأن أحداً لا يشك أن آدم وحواء لم يشركا بالله شرك كفر وعبادة، ولكنهما عصيا في القبول من إبليس، واغترا بقوله: إن الولد إذا سُمّي عبدالحارث عاش، كما اغترا به في أكل الشجرة "(٢).
المسلك الثاني: عدم الاحتجاج بما ورد من الآثار، وتأويل الآية على غير آدم وحواء:
وهؤلاء نزعوا إلى تضعيف ما ورد في شأن المحاورة، التي جرت بين آدم وإبليس، ثم ذهبوا في تأويلها إلى قولين:
الأول: أن المقصود أولادهما من المشركين، والثاني: أن المقصود هم المشركون من بني آدم عموماً، قال ابن القيم:" فالنفس الواحدة وزوجها: آدم وحواء، واللذان جعلا له شركاء فيما آتاهما، المشركون من أولادهما، ولا يلتفت إلى غير ذلك، مما قيل إن آدم وحواء كان لا يعيش لهما ولد، فأتاهما إبليس، فقال: إن أحببتما أن يعيش لكما ولد، فسمياه عبدالحارث، ففعلا، فإن الله سبحانه اجتباه وهداه، فلم يكن ليشرك به بعد ذلك "(٣).
وذكر أن هذا نوع من أنواع الاستطراد الوارد في القرآن، بمعنى أنه يستطرد من ذكر الشخص إلى النوع، وذكر مثالا عليها هذه الآية، وقال " فاستطرد من ذكر الأبوين إلى ذكر المشركين من أولادهما "(٤).
وهذا مروي عن الحسن البصري، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولاداً، فهوَّدوا، ونصَّروا. (٥)
(١) القصاب: محمد بن علي الكرجي، الإمام، العالم، الحافظ، الغازي المجاهد، عرف بالقصاب لكثرة ما قتل في مغازيه، توفي سنة ٣٦٠ هـ، انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٢٦٤ (٢) القصاب: النكت الدالة على البيان: دار القيم، ط ١، ١٤٢٤ هـ، (١/ ٤٥٩) (٣) ابن القيم: روضة المحبين: دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٠٣ هـ، (٢٨٩) (٤) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن: دار المعرفة، بيروت، (٢٦٤) (٥) الطبري: جامع البيان: ١٣/ ٣١٥