ولما كان التسبيح عظيماً؛ لأنه تنزيه للعظيم، كانت عبادة الملائكة قائمة على التسبيح، قال سبحانه وتعالى:" وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ "(الأنبياء ١٩)، أي: لا يعيون، قال كعب الأحبار: التسبيح لهم كالتنفس لبني آدم. وقوله تعالى:" يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ "(الأنبياء ٢٠)، يعني: يسبحون دائماً، لا يضعفون ولا يفنون، واعلم أنه ليس عند الملائكة ليل ولا نهار، وإنما المراد بذكر الليل والنهار هاهنا: هو الدوام على التسبيح ". (١)
وقال جل وعز في موطن آخر: " وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ " (الزمر ٧٥)، يقول السمعاني: " ويُقال: إن هذا التسبيح تسبيح تلذذ لا تعبد " (٢)،
ويقول جل وعلا: " يُسَبِّحُونَ لَهُ بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْئَمُونَ" (فصلت ٣٨)، يقول السمعاني: " أي: لا يملون، وعن كعب الأحبار أنه قال: التسبيح للملائكة كالنفس والطرف لبني آدم، فكما لا يلحق الآدمي تعب في الطرف والنفس، فكذلك لا يلحقهم التعب بالتسبيح ". (٣)
ولذا قال الله جل وعلا لنبيه عليه والصلاة والسلام في أكثر من مقام: " فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ " (الحاقة ٥٢) وغيرها، يقول السمعاني: " كأنه أرشده إلى الاشتغال بتنزيه الرب، وتسبيحه، وتقديسه، حين لزم الكفار الحجة ". (٥)
ويقول في مقام آخر: " أي نزه ربك وعظمه، كأنه أرشده إلى الاشتغال بثنائه، وتسبيحه، وتقديسه؛ ليصل إلى درجة المقربين " (٦)
(١) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ٣٧٢ (٢) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٤/ ٤٨٤ (٣) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ٥٤ (٤) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ٦٣ (٥) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ٣٥٨ (٦) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ٣٦٣