وقد وردت السنة النبوية المطهرة، مؤيدة القول الثالث الذي ذكره السمعاني، فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة، إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم "(١). وكأن السمعاني يميل ـ والله أعلم ـ إلى القول الأول؛ لأنه قال في موطن آخر:" فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ "(الأنعام ٤١)، قَيَّد الإجابة بالمشيئة هاهنا، وأطلقها في قوله:" " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ "" قال أهل العلم: وذلك مقيد بالمشيئة أيضاً، بدليل هذه الآية " (٢)
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: " وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ " (إبراهيم ٣٤): يقول الإمام السمعاني: " يعني: من كل الذي سألتموه " (٣)، ولكن إن قال قائل: نحن نسأله أشياء ولا يُعطينا، فما الجواب؟! قيل في الجواب:
١ ـ إما أن يكون في الآية إضمار شيء، فيكون المعنى: آتاكم من كل شيء سألتموه شيئاً، وهذا الإضمار، كقوله تعالى: " وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ" (النمل ٢٣)، أي: أوتيت من كل شيء في زمانها شيئاً.
٢ ـ وقيل: هو محمول على التكثير، كقولك: هو يعلم كل شيء، وأتاه كل الناس، وهو يعني بعضهم.
٣ ـ وقيل: محمول على سؤال الجميع، بمعنى: " ليس من شيء إلا وقد سأله بعض الناس، فقال:" وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ "، أي: من كل ماسألتموه، قد آتي بعضكم منه شيئاً، وآتي آخر شيئاً مما قد سأل " (٤).
٤ ـ وقيل: إن (ما) نافية، وهذا على قراءة الحسن بتنوين (كلٍ)، فيكون المعنى: من كل ما لم تسألوه، يعني: أعطاكم أشياء ما طلبتموها، ولا سألتموها.
(١) ((أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة، ح (٣٣٨١)، شركة مكتبة ومطبعة البابي، مصر، ط ٢، ١٣٩٥ هـ، (٥/ ٤٦٢) (٢) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٢/ ١٠٣ (٣) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ١١٨ (٤) ((الأخفش: معاني القرآن، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط ١، ١٤١١ هـ، (٢/ ٤٠٨)