لم يحصل لمن كان في باديته؛ وقد نهى النبي ﷺ عن التعرب بعد الهجرة، فقال ﷺ:"اجتنبوا الكبائر السبع" فسكت الناس فلم يتكلم أحد، فقال النبي ﷺ:"ألا تسألوني عنهن؟ الشرك بالله، وقتل النفس، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وقذف المحصنة، والتعرب بعد الهجرة"(١). قوله:"فقال: يا رسول الله نهكت الأنفس""نهكت" أي: جهدت، وضعفت، وتلفت.
قوله:"وجاع العيال" هم من يعولهم الإنسان؛ من زوج، وولد؛ بسبب الجدب، وانقطاع المطر.
قوله:"وهلكت الأموال" أراد بالأموال الإبل والغنم. لأنها عامة أموال الأعراب.
قوله:"فاستسق لنا ربك" أي: اطلب لنا السقيا، بدعاء ربك. وهذا القدر لا بأس فيه.
قوله:"فإنا نستشفع بالله عليك " أي: نجعل الله شافعاً لنا عندك في طلبتنا هذه! وهذا أمر عظيم جداً، أن يجعل الله ﷾ بمنزلة الشافع إلى النبي ﷺ. وهو موضع الشاهد. قوله:"وبك على الله" هذا لا بأس به، أن يجعل النبي ﷺ في حياته، شافعًا لهم عند الله، فيدعو لهم، ويستسقي لهم. وهذا الدعاء نوع من الشفاعة؛ وقد تقدم أن الشفاعة: طلب الخير للغير، وأنها مشتقة من الشفع الذي هو ضد الوتر؛ وذلك لأن الشافع انضم إلى المشفوع له، فبعد أن كان وتراً، صارا شفعاً.
قوله:"فقال النبي ﷺ: "سبحان الله! سبحان الله! " "(سبحان) اسم مصدر، أي: تنزيهاً لله. وتسبيح النبي ﷺ لربه في هذا المقام مناسب جداً؛ لأنه معظم لله تعالى، ومقدر لمقام الربوبية، فلما رأى أنه قد نيل منه، غضب لله ﷿، وسبح؛ كما أمره ربه: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨] فمن أسس الدين والتوحيد: التسبيح، فإن العلم بالله يقوم على ركنين: التسبيح والتحميد،
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم (٥٥٠٥) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (١٤٥).