الثامنة: كون السلف يضربون الصغار على الشهادة والعهد.
وهذا ضرب تأديب، وهو يدل على أن الضرب أسلوب تربوي، خلافاً لما يروجه بعض أدعياء التربية في العصور الأخيرة، فإنهم يذمون الضرب بإطلاق، ويعتبرون أنه منافٍ لحقوق الإنسان، وحقوق الطفل، وحقوق المرأة، كيف والله ﷾ قد قال في آية النشوز: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] وإنما أراد الله ﷾ الضرب غير المبرح، لا الضرب الذي يُسمى في عرف المتأخرين:"العنف الأسري"، لكنه ضرب تأديب يطامن النشوز، والترفع على الزوج؛ فإن وجود ألم بدني يطفئ فوعة الكبر والترفع لدى الزوجة، هذا إذا لم تجد الوسيلتان الأوليان، وهما: الموعظة والهجر، فهو أسلوب تربوي قرآني معتمد، فلا يستحي منه الإنسان، أو يحاول أن يعتذر عنه، وهو شرع الله ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: ١٤]. وكذلك في تربية الأبناء والبنات قال النبي ﷺ:"مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين"(١)، فهذا الضرب ضرب تأديب وتهذيب؛ لأن الإيلام الجسدي، ينبه الصبي والجارية على الالتزام. لكن لا يكون الضرب بدافع التشفي والحنق، كما يقع من بعض الآباء والأمهات، حيث يضربون أبناءهم ضرباً مبرحاً، فهذا لا يجوز شرعًا. فالولد إذا لم يجدِ معه الكلام الرفيق، والترغيب والترهيب، فلا حرج حينئذٍ أن يمسه بشيء من ألم؛ لكي يحصل ما فيه مصلحة له. والإيلام له صور متعددة، فالطفل يُوخز أحياناً، بالإبرة، ولا يرى الناس في ذلك بأساً! لأن له فيها مصلحة وهو العلاج، وربما استعمل بعض الناس الكي، وربما حصل منهم تأنيب بالكلام المقذع أشد من الضرب. فالمقصود: أن التربية لها صور متعددة، لكن على المربي دوماً أن يستصحب روح الشفقة والنصح على من تحت يده من زوج، أو ولد، ولا يتخذ من هذه الأساليب سبيلًا للتشفي، والانتقام، وإنفاذ الغيظ.
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (٣٢٣٤) وأحمد ط الرسالة برقم (٦٧٥٦) وقال محققو المسند: "إسناده حسن".