قوله:"ويظهر فيهم السِمَن" السمن: هو كثرة اللحم والشحم، وكأن المراد: إقبالهم على ملاذ الدنيا، واشتغالهم بالمآكل والمشارب، حتى ظهر فيهم السمن، وصارت سمة عامة لقرنهم، خلاف القرون الفاضلة. وقد وجد هذا بالفعل في التاريخ الإسلامي. وهذا وصف طردي، لا يراد به أن السمنة حرام، فتلك أمور قدرية، ترجع إلى أسباب عضوية، كما قال النبي ﷺ في الخوارج:"سيماهم التحليق"(١)، مع أن حلق شعر الرأس في المناسك أفضل من تقصيره؛ لكنه ذكر وصفاً طردياً، لا يريد به ﷺ تحريم الحلق، وإنما من باب الإخبار، بهذه العلامة الفارقة التي تكثر فيهم. ولهذا لما قام صبيغ بن عسل في مسجد رسول الله ﷺ وقال قولاً، نزل عمر ﵁ من المنبر، وأتى إليه، وكشف رأسه، قال:"لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك"(٢)؛ ظن أنه من الخوارج.
مناسبة الحديث للباب:
خفية، تستنبط من قوله:"يشهدون ولا يستشهدون" لأن اليمين تقارن الشهادة عادة.
فوائد الحديث:
١ - فضل القرون الثلاثة الفاضلة، أو الأربعة، وهم: الصحابة، والتابعون، وتابعوهم بإحسان.
٢ - ذم التساهل والمسارعة في الشهادة.
٣ - أن الشهادة واليمين لا تتعين ولا تتوجه إلا عند حاكم شرعي. وكثير من الناس يحرجه غيره، ويقول له: احلف على كذا! يتنازع الزوجان؛ فيقول الزوج لزوجته: احلفي على كذا، أو تقول الزوجة لزوجها: احلف على كذا، أو يقول الصاحب لصاحبه: احلف على كذا! فلا يجب عليه بذل اليمين، فله أن يقول: أنا لست ملزماً بالحلف.
(١) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قراءة الفاجر والمنافق، وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم برقم (٧٥٦٢). (٢) الشريعة للآجري (١/ ٤٨٢) والإبانة الكبرى لابن بطة (١/ ٤١٤) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (٤/ ٧٠٢).