وفيه: عن ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته" قال إبراهيم: "كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار"(١).
الشرح:
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
من كمال التوحيد: احترام اسم الله تعالى، فلا يصح أن يكون اسمه مبتذلاً بالأيمان، يجريه الإنسان على لسانه في كل صغيرة وكبيرة، أو لا يبالي أن يحنث في يمينه.
فقوله:"باب: ما جاء في كثرة الحلف" من الوعيد. أراد به أن يحترم الإنسان اسم الله تعالى فلا يجعله جارياً مجرى الكلام المعتاد، بل يعظمه، ولا يتكلم به إلا في الأمور الجليلة.
قوله:"وقول الله تعالى: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ " حفظ اليمين يكون في صور متعددة:
أولاً: عدم الإكثار من الحلف، فلا يجعل الإنسان اليمين يجري على لسانه في الأمور التافهة، كما يقع من بعض الناس، فمن حفْظ اليمين ألا يأتي الإنسان باليمين إلا فيما يستحق، أو إذا توجه إليه اليمين عند الحاكم الشرعي، أو إذا أراد التأكيد لأمر مهم.
ثانياً: عدم الحِنث فيه إلا لمصلحة راجحة: فإذا حلف فليحفظ يمينه ولا يخرمه، بل يلتزم به، اللهم إلا أن يبدو له ما هو خير؛ لقول النبي ﷺ:"إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فأتِ الذي هو خير، وكفر عن يمينك"(٢)، وفي
(١) أخرجه البخاري في كتاب أصحاب النبي ﷺ، باب فضائل أصحاب النبي ﷺ برقم (٣٦٥١). (٢) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، باب من سأل الإمارة وكل إليها برقم (٧١٤٧) ومسلم في كتاب الأيمان، باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيراً منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه برقم (١٦٥٢).