لأن الحديث المرفوع قد يكون مرفوعاً حقيقة، وقد يكون مرفوعاً حكماً. وفي هذا الأسلوب إغراء ظاهر.
قوله:"ألا تدع صورة إلا طمستها" أي: ألا تترك صورة إلا أزلتها ومحوتها. فهذا موضع الشاهد. فدل ذلك على أن النبي ﷺ كان يأمر أصحابه بطمس الصور، ودل على أن الصور شر، ومدعاة للشرك؛ لما فيها من مضاهاة خلق الله. ومما يُؤسف له في الآونة الأخيرة كثرة انتشار الصور، لا سيما في الملبوسات، فيجد الناس مشقة بالغة أن يجدوا ملابس لأبنائهم وبناتهم خالية من الصور. ويجب على الإنسان إذا ابتلي بشيء من هذه الصور أن يطمس الرأس؛ لحديث:"الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فليس بصورة"(١). فإذا تم طمس الرأس إما بلون غامق يذهبه، أو بأن يخيط عليه شيئًا يخفيه، فقد زال المحذور. فإذا قطع الرأس، ولو كان تمثالًا، وبقي سائر البدن فليس بصورة. وأما ما يفعله بعض الناس برسم خطٍ بين الرأس والبدن، فهذا لا يغني شيئاً، ولا يحصل به الطمس، وأما الصور التي ليست على شيء من خلق الله ﷿، ولا يوجد لها نظير في خلق الله تعالى، فلا تعد صورة، ولا فعلها تصويراً. كما يفعل بعضهم، يرسم فاكهة أو خضرة، أو منزلاً، أو سيارة، ويجعل لها عينين، وأنفًا ونحو ذلك، فليس ذلك مضاهاةً لخلق الله، لأنه لا يوجد في خلق الله ما هو على هذه الشاكلة، لكنه نوع من العبث.
قوله:"ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" أي: مرتفعًا، بارزًا، إلا جعلته مساوياً للأرض. ولا بأس بأن يسنم قدر شبر، فإن هذا التسنيم يحفظ القبر من أن تجرفه السيول، ولأنه ينخسف مع الوقت، ولكي يميزه فلا يُقعَد عليه، أو تُقضى عليه الحاجة، وما أشبه.
مناسبة الحديث للباب:
ظاهرة، لتضمنه ما يدل على تحريم الصور، ووجوب طمسها وإتلافها.
فوائد الحديث:
١ - وجوب الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فها
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (٤٦٩٥) موقوفاً على ابن عباس.