للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشواء، وضربة لازب، بل ﴿كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: ٨]. فيجب أن يمتلئ القلب بهذا اليقين.

قوله: "سمعتُ رسول الله يقول" هذا استدلال من عبادة على تلك المقدمة، وهكذا ينبغي لمن قرّر شيئاً أن يعضد مقالته بالدليل حتى يحصل على القبول.

قوله: "إن أول ما خلق الله القلم" (القلم) تضبط بالفتح، وبالرفع، فالأول: على اعتبارها وقعت مفعول (خلق) فيكون المراد: ساعة أن خلق الله القلم، قال له: اكتب، و (أول) دالة على الظرفية. والثاني: وهو الرفع، باعتبار أن القلم خبر (إن). فيكون المعنى: أن أول المخلوقات هو القلم، ولكن هذه الأولية أولية نسبية؛ لأن العرش هو أول المخلوقات. وهذا هو القول الصحيح؛ قال الله ﷿: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧] فهو سابق لخلق السماوات والأرض، فتكون أولية القلم أولية نسبية، أي: بالنسبة لخلق السماوات والأرض. قوله: "فقال له: اكتب، فقال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" أي: من تلك اللحظة إلى أن تقوم الساعة، فانصاع القلم لأمر ربه ﷿ قوله: "يا بني سمعتُ رسول الله يقول: "من مات على غير هذا فليس مني" " هذه براءة من النبي من منكري القدر، فمن لم يؤمن بما دلّ عليه هذا الحديث، فإن النبي بريء منه براءة كاملة، تقتضي النقل عن الملة؛ لأن القدر من أركان الإيمان.

وهذا الحديث عن عبادة قد رواه أبو داود، والترمذي، والطيالسي (١)، وكذلك رواه ابن أبي عاصم (٢)، وسنده حسن -بحمد الله-، وفي علم مصطلح الحديث: الحديث الصحيح والحسن، يقبل خبرهما، ويعمل بحكمهما.

قوله: "وفي رواية لأحمد" وهذه الرواية ضعيفة، لكن إذا ضمت إلى ما سبق، كانت مقبولة المعنى، وربما كان لها طرق يعضد بعضها بعضاً.


(١) مسند أبي داود الطيالسي برقم (٥٧٨).
(٢) السنة لابن أبي عاصم برقم (١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>