فلا حرج أن يقول الإنسان مثلاً: اللهم اجعلني من السابقين، أو في أعلى عليين. لكن ليس له أن يقول: اللهم أني أسألك منازل النبيين. فإن هذا عدوان في الدعاء؛ لأنه سأل ما لا ينبغي له، فإن منازل النبيين إنما تكون لهم، بخلاف لو قال: اللهم إني أسألك رفقة النبيين فلا بأس؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩]، فالرفقة لا يلزم منها التساوي.
الخامسة: التعليل بهذا الأمر.
لقول النبي ﷺ في الرواية الأولى:"فإن الله لا مكره له" وفي الثانية: "فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه". فينبغي للمؤمن أن يحسن الدعاء، فقد كان عمر ﵁ يقول:"إني لا أحمل هم الإجابة، وإنما أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء، فإن الإجابة معه"(١). وينبغي له أن يتأدب مع ربه ﷿ في الدعاء، فيدعوه رغبة ورهبة، وتضرعًا وخفية، فإن ذلك من أسباب قبول الدعاء. ولا يدعو وهو غافل القلب، ضعيف الرغبة، أو مترددًا، فإنه قد لا يجاب؛ ولهذا جاء في الحديث:"ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"(٢).
وينبغي للمؤمن أن يعلم ما جاء في الحديث:"ليس شيء أكرم على الله من الدعاء"(٣)، وقد سماه الله عبادة، فقال ﷾: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠] وأراد بالعبادة الدعاء، فيجب على المؤمن أن يعتني بالدعاء، ولا يقتصر على الأدعية المرتبة في الصلاة وحسب، بل ينبغي له أن يخصص وقتاً يدعو الله فيه، ويرفع يديه، سواء كان في فراشه، أو في مسجده، أو في سيارته، أو في عمله، ويستكثر من الدعاء، ويضع حاجته بين يدي ربه ﷾، فإن الله تعالى يحب من عبده هذا، كما قيل:
(١) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (٢/ ٢٢٩) (٢) أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الدعوات برقم (٣٤٧٩) وحسنه الألباني. (٣) أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء برقم (٣٣٧٠) وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء برقم (٣٨٢٩) وحسنه الألباني.