قوله:"عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت" " أصل كلمة (اللهم) يا الله، فحذفت ياء النداء، وعوض عنها بالميم الدالة على الجمع، وإن لم تكن تدل على جمع الكثرة، لكن تدل جمعية القلب. ومعنى المغفرة: الستر والتجاوز، ومنه سُمي المغفر، وهو الخوذة التي تغطي الرأس مغفراً؛ لأنه يستر الرأس ويقيه.
قوله:"ليعزم المسألة" أي: ليجزم في طلبه، ويحقق الرغبة، ولا يتردد.
قوله:"فإن الله لا مكره له" جملة تعليلية للنهي، لدفع توهم أن العزم في المسألة، وعدم التعليق بالمشيئة، بمنزلة الأمر والإملاء على الله. فبيّن النبي ﷺ أن هذا الاحتمال ممتنع من الأصل؛ لأن "الله لا مكره له"، فلا وجه للاحتراز. والطلب له ثلاث أحوال:
١ - الطلب من الأعلى للأدنى: يُسمى (أمر)، كقول الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج: ٧٧].
٣ - الطلب من الأدنى إلى الأعلى: يُسمى (دعاء)، أي: سؤال واستجداء، كقول الداعي: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]
قوله:"ولمسلم: "وليعظم الرغبة" " أي: ليسأل ربه ما شاء، مهما كان، مما لا يتضمن إثماً أو قطيعة رحم.
قوله:"فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه" أي: لا يُوجد عطاء عظيم على الله، بخلاف الآدميين، لو طلبت من أحدهم طلباً، لربما صار ثقيلاً عليه، وشاقاً، أما الله ﷾ فعنده خزائن السماوات والأرض. فليسأل المسلم ما بدا له من خير الدنيا والآخرة، ولهذا قال في الحديث القدسي:"يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيتُ كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر"(١)، فلو اجتمع من بأقطارها من الأولين والآخرين، والإنس والجن، وسألوا وبالغوا في
(١) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم برقم (٢٥٧٧).