للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لا ريب موجود، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ﴾ [محمد: ٢٨] وقال: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾ [الزخرف: ٥٥]. ويصدق على الشيء الذي صدر منهم أنه أذى، وأنهم آذوا الله تعالى به؛ ولهذا قال تعالى: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾ أي: أنهم لن ينالوا منكم، ولن يسلبوا إيمانكم، أو يزحزحوكم عن دينكم، لكنهم يزعجونكم بأنواع المزعجات من العدوان، أو الكلام، وما أشبه ذلك.

مناسبة الباب لكتاب التوحيد:

من سب الدهر فكأنما أثبت فاعلاً مع الله، وهذا شرك في الربوبية؛ لأنه قام في قلبه أن الدهر فاعل بنفسه، والله ﷿ وهو المدبر المتصرف، فلا مدبر ولا متصرف سواه.

قوله: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ وتتمة هذه الآية: ﴿وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية: ٢٤] الظن: هنا هو الوهم، فحكى الله في هذه الآية مقالة مشركي العرب، ومن على شاكلتهم من الفلاسفة الدهرية؛ وذلك أن بني آدم، حيال المبدأ والمعاد، ثلاثة أنواع:

فالنوع الأول: الذين يثبتون المبدأ والمعاد: وهم المؤمنون، أتباع الأنبياء، كما وصفهم الله بقوله: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: ١٩٠ - ١٩٤].

النوع الثاني: الذين ينكرون المبدأ والمعاد: هم الفلاسفة القائلون بقدم العالم، وخلوده، وتسلسله من الجهتين. وهؤلاء ملاحدة كفار؛ فهم ينكرون أن يكون الله خلق الخلق، بل يزعمون أن هذا العالم قديم، متناهٍ في القدم، ليس له أول، ويدخل في هؤلاء أصحاب نظرية "دارون"، الذي لا ينكر قصة بدأ

<<  <  ج: ص:  >  >>