المفاسد، مع فعل الأسباب الشرعية، أو الحسية، الموصلة إلى ذلك.
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
التوكل عبادة قلبية، فصرفها لغير الله شرك، فناسب إيراد هذا الباب، بعد ذكر المحبة، والخوف، لأن مقام التوكل من أعظم مقامات السالكين.
قوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ﴾ أي: لا على غيره، فقدم الجار والمجرور للحصر ﴿فَتَوَكَّلُوا﴾ أي: اعتمدوا وفوضوا أموركم جميعها إليه ﷾ ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ فدل ذلك على أن توحيد الله بالتوكل من شرط الإيمان.
وليعلم: أن اعتماد الإنسان على غيره ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يعتمد على غيره فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يقول: اعتمدتُ عليك في شفاء ابني، فهذا شرك أكبر، لا يجوز صرف هذا إلا لله تعالى. فهذا هو "التوكل".
الثاني: أن يعتمد على غيره فيما يقدر عليه، فهذا جائز مباح؛ وقد جرت به العادة وصح شرعاً؛ لأنه استنابة، كأن يستنيبه في بيع، أو شراء، أو إجارة، أو ولاية نكاح، ونحو ذلك. وهذا "وكالة" أو "توكيل".
وأما التوكل فإنه لا ينقسم؛ لأنه عبادة، كما أن السجود لا يمكن أن ينقسم إلى سجود عبادة، وسجود غير عبادة، بخلاف الأمور الأخرى، مثل الخوف، والحب. فالتوكل كله عبادة لا يجوز صرفه لغير الله تعالى. وأما التوكيل والوكالة فهذا لم يزل في الناس جارٍ، حتى قيل:
والنّاسُ بالنّاسِ من حَضْرٍ وبادِيَةٍ … بعضٌ لبعضٍ -وإن لم يَشعُروا- خدَم. (١).
فلم يزل الناس يقضي بعضهم مصالح بعض، ولم يزل الناس يتخذون الوكلاء نيابة عنهم، ولم يزل الفقهاء ﵏ يعقدون في كتب الفقه: باب الوكالة، فالتوكيل والوكالة مشروعان؛ لأنهما استنابة في مقدور عليه.
وقد سئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ﵀ عن قول بعض العامة: توكلتُ عليك يا فلان في كذا، ويذكر أمراً من الأمور المقدور عليها،