للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن الأثير: (الكاهِنُ: الَّذِي يَتَعاطَى الخَبَر عَنِ الكائِنات فِي مُسْتَقْبَل الزَّمَانِ، ويَدَّعي مَعْرِفَةَ الأسْرار. وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنة، كَشِقّ، وسَطِيح، وغيرِهما، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَزْعمُ أَنَّ لَهُ تابِعاً مِنَ الجِنّ، وَرَئِيًّا يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ، وَمِنْهُمْ من كَانَ يَزْعمُ أَنَّهُ يَعْرِف الْأُمُورَ بمُقَدِّمات أسْباب يَسْتَدلُّ بِهَا عَلَى مَواقِعها مِنْ كَلَامِ مَنْ يَسأله، أَوْ فِعْلِه، أَوْ حَالِهِ، وَهَذَا يَخُصُّونه بِاسْمِ العَرَاف، كَالَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ المَسْروق، وَمَكَانِ الضَّالَّة وَنَحْوِهِمَا. وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ «مَنْ أتَى كاهِنا» قَدْ يَشْتَمِل عَلَى إتْيان الكاهِن، والعَرّاف، والمُنَجِّم) (١)

قوله: "وقال ابن عباس" هكذا أطلقه المصنف، ولم يعزُه، وقد أخرجه عبد الرزاق (٢)، والبيهقي (٣)، وإسناده صحيح.

قوله: "في قوم يكتبون (أبا جاد) " أي: حروف "أبجد هوز حطي كلمن"، ويقال عنها: أبا جاد، وتُسمى الحروف الأبجدية. أما الحروف الهجائية فهي: أ ب ت ث ج ح … ، إلى الياء. وليس معنى: "يكتبون أبا جاد" مجرد الخط باليد، فإن هذا مباح، بل مستحب، لكونه وسيلة لحفظ العلم، وتوثيق العقود، والوصايا، والأوقاف، وغيرها، ولا يدخل فيه أيضاً تعلمها لحساب الجمل، فقد كانوا يُؤرخون لبعض الحوادث بكلمات أو عبارات دالة على التأريخ؛ فيجعلون الأحرف الأولى تقابل الأعداد الفردية، والأحرف التي تليها تقابل العقود العشرية، والتي تليها تقابل المئوية. مثال ذلك: أرخوا لتجديد عمارة الجامع الكبير في عنيزة، زمن الشيخ عبد الرحمن السعدي، ، سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف (١٣٦٢ هـ) بعبارة (اغفر لنا).

وإنما أراد ابن عباس أمراً كان جارياً عندهم، وهو أنهم يُقطِّعون حروف (أبا جاد)، ويتعلمونها لاستكناه علم الغيب، فهذا الذي أنكره ابن عباس، بدليل الجملة التالية.

قوله: "وينظرون في النجوم" فهم منجمون، وليس المقصود النظر المجرد، فإنه مباح، قال تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٤٤]، وقد


(١) (النهاية في غريب الحديث والأثر (٤/ ٢١٥)
(٢) مصنف عبد الرزاق برقم (١٩٨٠٥).
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>