ثانيًا: الفرق بين الشفاعة عند الله والشفاعة عند غيره:
وينبغي أن يعلم أن الشفاعة عند الله ﷿ ليست كالشفاعة عند ملوك الدنيا، وعدم التمييز بين هذا وهذا هو الذي أوقع المشركين فيما وقعوا فيه من الشرك العظيم. فإن الشفاعة عند ملوك الدنيا تكون مقبولة: إما رغبة، أو رهبة، فحينما يتقدم الشافع عند ملك، أو سلطان، أو أمير، أو كبير؛ ليشفع لفلان، فإن شفاعته تقع دون إذن مسبق، بل يفجؤه بها، وقد يقبل شفاعته رغبة في استمالته، أو دفعًا لسخطه، وهذان الاحتمالان منتفيان في حق الله ﷿، فإن الله ﷾ لا يستكثر بعباده من قلة، ولا يستعز بهم من ذلة، ولا يقبل شفاعة الشافعين ليستقوي بهم، ولا ليدفع شرهم وخطرهم، حاشا وكلا، فالله هو القوي العزيز، الذي له القوة جميعاً، وله العزة جميعاً، وهو الغني الحميد، الذي له ملك كل شيء، وخلقه مضطرون مفتقرون إليه.
ثالثًا: شروط الشفاعة:
الشفاعة حق خالص له سبحانه، كما قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٤٤]. ووجه كونها لله جميعاً: أن الشفاعة عند الله ﷿ لا تكون صحيحة إلا بشرطين:
الشرط الأول: إذن الله للشافع أن يشفع، دليل هذا الشرط قوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥] فلا يملك أحد أن يشفع عند الله إلا بعد إذنه. أما الشفاعة عند المخلوقين فلا يشعر ذلك السلطان، أو الكبير، أو الأمير، أو الوزير، إلا وقد أدلى الشافع بشفاعته، دون إذن مسبق، أما في حق الله فلا بد من إذن مسبق؛ لأن الشفاعة له.
الشرط الثاني: رضاه عن المشفوع له، والدليل على هذا الشرط، قول الله تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٨]. وقد جمع الله تعالى بين هذين الشرطين في آية النجم، فقال تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم: ٢٦] أي: من بعد أن يأذن الله لمن يشاء من الشافعين، ويرضى عن المشفوع لهم، فتبيّن بهذا معنى قول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٤٤].
رابعًا: الحكمة من الشفاعة:
فإن قال قائل: إذا كان الأمر كذلك، وصارت الشفاعة لا تحصل إلا بإذن