هذه صفتهم، فإنه إذا فزع عن قلوبهم -أي زال عنها الفزع- قال بعضهم لبعض: ﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ﴾؟ وهذا لتشوفهم للعلم، ورغبتهم في إدراك ما تكلم به الرب سبحانه قوله: ﴿قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ وتفصيل ذلك يأتي في حديث النواس بن سمعان، وأنهم يسألون جبريل، فيخبرهم جبريل، فيقول بعضهم لبعض: قال الحق وهو العلي الكبير. فأثبتوا لله ﷾ هذين الاسمين الشريفين:
الأول: العلي: وهو يدل على صفة العلو، وعلو الله تعالى ثلاثة أنواع:
١ - علو القهر: أي: الغلبة، فلا شك أن الله تعالى علا جميع خلقه بقهره، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٨].
٢ - وعلو القدر: ومعناه: أن الله ﷾ له المثل الأعلى، فصفاته قد بلغت أكمل غاية الكمال، فلا يماثله أحد في أسمائه وصفاته.
٣ - وعلو الذات: ومعناه: أن الله ﷾ بذاته، فوق عباده، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، ليس فيه شيءٌ من خلقه، ولا في خلقه شيءٌ منه.
فأما النوعان الأولان، فلا يخالف فيهما أحد من أهل القبلة، وهما علو القدر، وعلو القهر. وأما النوع الثالث: فهو الذي وقع فيه الخلاف بين أهل القبلة، فأهل السنة والجماعة، من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، يثبتونه على حقيقته اللائقة بالله، خلافاً لأهل الحلول والتمثيل، وأهل التحريف والتعطيل. وقد تظافرت نصوص الكتاب والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة، على ذلك، وبسطها في غير هذا الموضع.
وأما أهل الأهواء الزائغة، فكلهم ينفي عن الله صفة علو الذات، وبعضهم يقول: هو في كل مكان! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، ومنهم من ينفي عنه جميع الجهات، حتى يقولون: لا أمام، ولا خلف، ولا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا شمال!، وهذا يقتضي القول بالعدم؛ ولهذا قال عبد الله بن المبارك ﵀:"وإنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء إله"(١)، فمؤدى قولهم، وغرض بعضهم: إنكار وجود الله ﷿.