فعطف الدعاء على الاستغاثة في الترجمة، من باب عطف العام على الخاص. وهناك عطف الخاص على العام، كقولك: جاء الطلبة ومحمد، وإذا قلت: جاء محمد والطلبة، فهذا من عطف العام على الخاص؛ لأن محمدًا أحدهم.
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أن الاستغاثة بغير الله، ودعاء غير الله من الشرك المنافي للتوحيد، فبيان ذلك من تفسير التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، كما وعد المصنف.
وهذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب؛ لتعلقه بمسألة عظيمة، هي لب التوحيد: ألا وهي الدعاء، فإن الدعاء كما جاء في الحديث الصحيح:"الدعاء هو العبادة"(١)؛ فالدعاء عنوان العبودية، وهو حقيقة التوحيد؛ ولهذا قال ربنا -سبحانه وبحمده-: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ [غافر: ٦٠] ولم يقل: إن الذين يستكبرون عن دعائي، فدل ذلك على أن الدعاء هو العبادة، بل هو لب العبادة، وفي الحديث أيضاً:"الدعاء مخ العبادة"(٢)، لكن هذا الحديث فيه مقال، والأحاديث والآيات في هذا كثيرة.
ودعاء الله تعالى نوعان:
الأول: دعاء العبادة: وهو مناجاة الله ﷾ بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، والثناء بها عليه، كأن يقول القائل:"اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض، ومن فيهن، ولك الحمد أنت فاطر السماوات والأرض ومن فيهن، اللهم لك الحمد أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد" فيتملق ربه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، ويثني عليه بما هو أهله، وإن لم يطلب شيئاً، وإنما تعبد الله بذكره، وبما يليق به من صفات الكمال، ونعوت الجلال، مما علمنا إياه، وعلمنا نبيه ﷺ.
(١) أخرجه ابن ماجه في كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء برقم (٣٨٢٨)، وأبو داود في باب تفريع أبواب الوتر، باب الدعاء برقم (١٤٧٩)، والترمذي ت شاكر في أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة برقم (٢٩٦٩) وصححه الألباني. (٢) أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الدعوات برقم (٣٣٧١) وضعفه الألباني.