سبيل الأئمة المجددين، الهداة المهتدين، يتعاهد الله بهم الأمة كلما نبتت نابتة الشرك والبدعة، فيقيض مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ.
وحين حلَّ القرن الثاني عشر الهجري، كانت الأقاليم الإسلامية مرتعًا خصبًا للطرق الصوفية، والبدع القبورية، وانطمس نور التوحيد، وغشى كثيرًا من الناس ظلام الشرك (١). فأنشأ الله عبدًا من عباده في بيت علم، وفقه، ودين، فطوّف البلدان، واجتمع بمشايخ الزمان؛ في نجد، والعراق، والحجاز، والأحساء، وعلّمه مما يشاء. فامتلأ قلبه حرقةً على ما آل إليه حال الناس من العكوف على القبور، ودعاء الوسائط والأنداد، وأمده بروح منه لمواجهة فساد الاعتقاد، وهيأ له من الأسباب ما تمكن به من بعث بشاشة التوحيد في القلوب، وكشف الشبهات عن العقول. حتى عاد الدين غضًا نقيًا خالصًا من الشوب. لقد كان ذلك الإمام المجدد: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي، (١١١٥ - ١٢٠٦ هـ)﵀ رحمة واسعة (٢).
وكان من أجلِّ، وأنفع ما كتب:(كتاب التوحيد)، الذي خرج من رحم المعاناة، واستمد مادته من الواقع والمشاهدات، فقد ألّفه حين كان في البصرة، في بعض رحلاته العلمية، وفي تلك الفترة أبصر ما عليه الناس من أخطاء، وانحرافات عقدية، فحمله ذلك على أن يصنف هذا الكتاب، ويضمنه ستًا وستين بابًا تتعلق بأنواع التوحيد الثلاثة؛ الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، وما يضاد ذلك من أنواع الشرك؛ الأكبر، والأصغر، والخفي، وبيان الطرق المفضية إليه، وبيان حماية المصطفى ﷺ جناب التوحيد، وسده الطرق الموصلة إلى الشرك.
ثم أتبع القول بالعمل، فصار يُنكر على الجهال ما يقعون فيه من أمور شركية، فما كان منهم إلا أن طردوه، وأخرجوه من البصرة، وقت الهجيرة، حتى
(١) (انظر في وصف ذلك: الفصل الأول من تاريخ نجد المسمى (روضة الأفكار والأفهام، لمرتاد حال الإمام) لحسين بن غنام، تحقيق وتحرير: ناصر الدين الأسد: ١/ ١٠ - ١٩ (٢) (انظر في سيرته، ﵀، المرجع السابق: ١/ ٧٥ - ٨٥