وأسقط في يد الصالح إسماعيل في دمشق، وخاف أشد الخوف من الصالح أيوب، لما كان أسلفه في حقه من أخذ دمشق منه بعد أن صالحه، وحلف له وتوثق منه، ولما كان من اعتقاله لولده الملك المغيث، وخوفا من أن يبغته الصالح أيوب والناصر داود في مهاجمته، ألقى بنفسه في أحضان الصليبيين متحالفا معهم، وقد تم له ذلك في ذي الحجة سنة (١)(٦٣٧ هـ/ ١٢٤٠ م) واتفق معهم على أن يعضدوه على الصالح أيوب لقاء تسليمه لهم حصن شقيف أرنون، وصفد، وهما حصنان كبيران (٢).
وارتاع المسلمون لهذا الاتفاق، وأنكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام خطيب جامع دمشق هذا التحالف غاية الإنكار، وأطلق لسانه في الصالح إسماعيل، وساعده في ذلك شيخ المالكية أبو عمرو بن الحاجب، فأكثرا من التشنيع عليه فيما فعل (٣).
وصار الصليبيون إثر هذا الاتفاق يدخلون دمشق، ويبايعون أهلها، وكان أكثر ما يشترون منهم السلاح، وقد اشتهرت دمشق بصناعته، وبخاصة السيوف الدمشقية، فأصدر الشيخ عز الدين فتوى بتحريم بيعهم السلاح، وجدد إنكاره على الصالح إسماعيل، وزيادة في الإنكار عليه ترك الدعاء له في خطبة الجمعة، فصار يدعو إذا فرغ من الخطبتين، قبل نزوله: اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا، تعز فيه وليك، وتذل فيه عدوك، ويعمل فيه بطاعتك، وينهى فيه عن معصيتك.
وكأن في ترك الخطبة للسلطان دعوى لعزله، فخاف الصالح إسماعيل من مغبة ذلك، فعزل الشيخ عز الدين عن خطابة الجامع، والتدريس بالزاوية الغربية فيه، وسجنه مع الشيخ أبي عمرو بن الحاجب في قلعة دمشق (٤).