وكان التاريخ قد ملك عليه عقله وقلبه، فهو منذ أن بدأ اهتمامه به، انكب على كتبه يطالعها، وعلى حوادثه وأخباره يدونها، جامعا شواردها من أفواه شيوخه، ومما يطلع عليه من كتاب وقف أو محضر اجتماع، أو قصيدة شاعر، أو مراسلات سلطان، حتى استطاع في مدة وجيزة أن يقف على جملة من أحوال المتقدمين والمتأخرين من الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين، والخلفاء والسلاطين، والفقهاء والمحدثين، والأولياء والصالحين، والشعراء والنحويين، وأصناف الخلق الباقين (١).
وتاقت نفسه لمعرفة المزيد، فتشوف إلى زيارة مصر، موطن شيوخه، وموئل علمهم: علم الدين السخاوي، وتقي الدين خزعل، وأبي عمرو بن الحاجب، وموطن صديقه الحبيب ظهير الدين عبد الغني، ولطالما حدثوه عنها، وأفاضوا في أخبارها.
ويغادر دمشق مع القافلة المتجهة إلى مصر في آخر شهر ربيع الآخر سنة (٢)(٦٢٨ هـ/ ١٢٣١ م)، وبدل أن يؤم القاهرة يتابع طريقه إلى دمياط، فتكون أولى محطاته، فيصل إليها في يوم من أيام جمادى الأولى، ويقيم فيها نحو شهر (٣).